حلة الحاج على

فى ستينات القرن الماضى ، وحين كان بناء البيوت والعمارات للإيجار استثمارا يدر دخلا شهريا ثابتا على أصحابها ، كان الحاج على ، وهوأحد مالكى أسطول كبير من عربات الكارو ، قد انتهى من بناء عمارته الضخمة ، وخصص أدوارها الثلاثة الأخيرة لزوجاته الثلاث وأولاده منهن . ولأننى كنت صديقا لأحد هؤلاء فقد كان يدعونى للمذاكرة معه وكذلك للثرثرة فى شقتهم الفسيحة حين تكون أمه وباقى إخوته فى إحدى الشقق الأخرى . وكنا عندما نشعر بالجوع نتوجه إلى المطبخ ، حيث توجد حلة كبيرة جدا ، وهى مملوءة بقطع اللحم الأحمر المسلوق والذى تبلغ كل واحدة فيهاما يقرب من نصف كيلو. وكان صديقى يأتى بمغرفة ويخرج لكل منا قطعتين ، ولأن اللحم كان بدون ملح تقريبا ، ولا أدرى لماذا ؟ فقد كنا نعمل خلطة من الملح والفلفل والكمون ، ونتناوال اللحم بقليل من الخبز . بعدها لا نكون قادرين بتاتا على المذاكرة ولا حتى الثرثرة ، فنقرر النزول إلى الشارع للعب الكرة الشراب .

كان الحاج على يجلس بعد العصر فى المقهى الذى يملكه أيضا تحت العمارة ، ثم يبدأ فى التوافد عليه العديد من العربجية الذين يحملون له نصيبه من عائد اليوم . وفى العادة لم يكن يرضيه المبلغ أبدا ، لذلك كان يشتم بأقذع الألفاظ بل ويمد يده أحيانا . ومن الغريب أن أحدا من هؤلاء جميعا لم يكن يغضب منه أو يتمرد عليه ، لأنهم كانوا يعرفونه جيدا : سريع الغضب .. سريع العفو والإكرام بسخاء .

ومن إحدى بلكونات الأدوار العليا ، تصطف زوجاته الثلاث ، كل منهن بقميص نوم فاقع وبحمالات ، وأذرعهن البيضاء السمينة مكشوفة للعيان . وكانت أعينهن مركزة دائما على ناحيتين : الأولاد وهم يلعبون فى الشارع، والحاج على وهو جالس على مقهاه يشرب الشيشة . أما هو فلم ألاحظ أبدا أنه ينظر ناحيتهن على الإطلاق !

كان أبى غير مرتاح تماما لصداقتى مع أحد أبناء الحاج على ، لأنه لم يكن يحترمه بسبب مهنته ، وصياحه العالى ، وتعدد زوجاته . أما أنا فقد كنت أراه بعين أخرى ، لا بد أنها كانت ترجع إلى أننى أحد أكلة اللحم من حلته !

ـــــــــــــــــــــــ

التعليقات (0)

الإسم

التعليق

تصغير | تكبير

أضف تعليق