عداد الزائرين

mod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_counter

إضافات حديثة

   
 
حكاية التاجر والببغاء صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك
كتبها Administrator   
الاثنين, 27 يوليو 2015 22:01

حكاية التاجر والببغاء

 


يروى جلال الدين الرومى (المتوفى 672 خجرية = 1273 ميلادية) فى منظومته الكبرى المسماة بـ المثنوى (30 ألف بيت من الشعر) حكاية طريفة عن التاجر والببغاء ، خلاصتها أن تاجرا من بلاد الفرس قرر السفر إلى الهند، وقبل سفره عرض على خدمه أن يطلبوا ما يرغبون فيه ، وراح كل منهم يحدد للتاجر طلبه من هناك. وكان لديه ببغاء جميل الريش، حسن الصوت فسأله :

ـــ وما هديتك التى تريد أن أحضرها لك من الهند؟

ـــ لى فقط رغبة بسيطة، وهى أن تبلغ ببغاواتها الطليقة فى الهواء سلامى وأشواقى ، وتحدثهم عن وجودى فى هذا القفص!

 

سافر التاجر إلى الهند، وحين شاهد مجموعة من الببغاوات تطير وتمرح فى فضاء الصحراء توقف وأبلغها السلام، وأدى الأمانة ، لكنه فوجئ بسقوط أحدها ميتا من سماع قوله . تعجب التاجر، وراح يؤنب نفسه على أنه نقل مثل هذا الكلام الذى أدى إلى موت طائر مسكين، لكن كثرة مشاغل السفر غطت على أسفه وحزنه ،

 

وعندما رجع بالهدايا إلى خدمه، ذكر للبغاء ما حصل مع زملائه من ببغاوات الهند، وكيف أن أحدها سقط ميتا بمجرد سماع رسالته.. حينئذ ، اصفر لون الببغاء ، وبرد جسمه ، وسقط فى قفصه من شدة التأثر. وعبثا حاول التاجر أن يسعف الببغاء، لكنه أصبح إلى الموت أقرب، فأخرجه من القفص ، ووضعه جانبا على الأرض. وهنا دبت الحياة من جديد فى الببغاء ، فاندفع بسرعة إلى أقرب شجرة، وحط على أعلى غصن فيها..

حدث ذلك وسط دهشة التاجر، الذى راح يسأله :

ـــ ما هذا الذى وقع لك؟

فقال الطائر:

ـــ لقد ألهمتنى حكايتك عن زملائى ببغاوات الهند، وسقوط أحدها ميتا أمامك ، بأن أفعل نفس الشئ لكى أتخلص من سجن القفص الذى وضعتنى فيه ، وأنعم بالحرية التى منحها الله .

ثم لوح للتاجر :

ـــ الوداع أيها السيد الطيب، فقد كنت لطيفا معى وحررتنى من القيد والظلم. وأنا الآن ذاهب إلى الوطن ، وسوف تصبح ذات يوم.. حرا مثلى!

 

الحكاية بالطبع رمزية . وهى مثل كل الحكايات التى يرويها جلال الدين الرومى فى منظومته المليئة بالحكم والمواعظ الصوفية والأخلاقية، كما أنها لا تخلو من البعد الواقعى أو العملى الذى يمكن أن يبصر الإنسان بأفضل التصرفات فى مواجهة مشكلات حياته اليومية، والمواقف الصعبة التى يوضع أحيانا فيها.

 

فما الذى يمكن أن نخرج به من تلك الحكاية البسيطة والرمزية ؟ أولاً : أننا أمام تاجر ، طيب القلب ، شهم الأخلاق ، يحسن معاملة خدمة، فيعرض عليهم قبل سفره أن يطلبوا ما يرغبون فيه لكى يحضره لهم من رحلة بعيدة فى بلاد الهند ثانيا : أن التاجر يتميز بحس جمالى راق، فهو يقتنى فى منزله ببغاء ، ذا صوت جميل، وألوان زاهية، وكلاهما يبعث فى النفس الراحة والسعادة. ثالثا : أن الببغاء رغم وجوده فى هذا الجو المترف ، لا يشعر بالسعادة، لأنه يفتقد الحرية، التى جعلها الله من صميم حياة الطيور. رابعًا : أن هذا الببغاء يتميز بذكاء فريد، فقد استطاع أن يحصر طلبه من سيده فى نقل رسالة سلام وتحية إلى زملائه ببغاوات الهند، التى تعيش حرة طليقة . خامسًا: أن الرسالة عندما بلغت تلك الطيور البعيدة، أدركت على الفور مغزاها وفهمت الغرض منها ، فتطوع أحدها بالموت أمام التاجر، لكى ينقل هذا المشهد المؤثر جدا.. إلى طائره الحبيس فى منزله سادسا : أن الطيور فى هذه الحكاية قد استطاعت أن تتواصل فيما بينها، على الرغم من بعد المسافة، كما نجحت تماما فى إرسال واستقبال شفرة محددة، مع أن حاملها نفسه لم يفطن إلى مضمونها أو دلالتها سواء عند أخذها من صاحبها ، أو توصيلها للطرف الآخر. سابعًا أن الببغاء المحبوس فى بلاد فارس قد استفاد من تجربة زملائه فى بلاد الهند، فقام بالتظاهر بالموت أمام صاحبه، لكى يتم إخراجه من القفص. ثامنا وأخيرًا : أن الحرية تستحق أن يبذل الراغب فيها كل الوسائل الممكنة حتى يحصل عليها. ولأن الطائر ضعيف، فقد استخدم وسيلة التلطف والمداراة ، بينما توجد وسائل أخرى عديدة، تصل إلى حد التضحية بالروح من أجل الحصول على الحرية !!

* * *


التعليقات (0)Add Comment

أضف تعليق
تصغير | تكبير

busy
آخر تحديث الجمعة, 27 سبتمبر 2019 13:51