لحاف جحا

هل سمعت نكتة جحا مع اللصوص. كان جحا نائمًا مع زوجته فى عز الشتاء وفوقهما لحاف يحميهما من البر د. وفجأة سمعًا صخبة وجلبة أمام البيت، فراحت زوجته تدفعه دفعًا لكى يخرج ويرى ما حدث ، حتى لا يقول الناس أن شيئًا حدث أمام منزلهما ولم يعرفا ما هو. أما جحا فظل يقول لها : مالنا يا ستى وهذه الضجة، وأن الدنيا برد. لكنها أصرت، وأخيرًا وضع اللحاف على كتفية وخرج من البيت، فوجد مجموعة من اللصوص يتناوشون بصوت عال ويكادون يشتبكون مع بعضهم بالأيدى. وحين دخل فى وسطهم ليسكت المشاجرة، قام أحدهم بخطف اللحاف، وانطلقوا من حوله مسرعين. دخل جحا إلى البيت فوجد زوجته متلهفة لسماع الأخبار: ماذا حدث يا جحا ؟ أبدًا ، كان اللصوص يتشاجرون من أجل اللحاف، وقد أخذوه !!

ما زالت هذه النكتة ذات الدلالات العميقة تقفز إلى ذهنى كلما فكرت فى الحرب الأمريكية التى شنت على العراق. فقد حشدت الجيوش، وحلقت الطائرات ، وأطلقت الصواريخ، وسقطت على الأرض مئات الأطنان من القنابل، ثم دخلت القوات الأمريكية بغداد بدون إطلاق رصاصة واحدة، وأسقطت – كما شاهدنا جميعًا – تمثال صدام، بما يعنى سقوط نظام حكمه. وظل البحث عن شخصه جاريًا حتى تم اعتقاله فى حفرة كالقبر تحت الأرض، ثم فكوه ونظفوه واستجوبوه وأخيرًا قاموا بحمايته من الشعب العراقى بإعلان أنه أسير حرب، أى أنه سوف يعامل معاملة كريمة جدًا تبعًا لمعاهدة جنيف الراقية جدًا!!

طيب وماذا نستخلص من ذلك ؟ كثير من الحكمة التى تنفع العقلاء ولا تفيد المتهورين فى شئ. وأهمها أن الأسباب المعلنة للقيام بالحرب ضد العراق لم تكن هى الأسباب الحقيقية، وقد ثبت ذلك من عدم وجود برميل واحد ملىء أو فارغ من براميل أسلحة الدمار الشامل. كذلك فإن (منح) الحرية، وإقامة (الديمقراطية) للشعب العراقى قد ذهبت مع الريح، وخاصة عندما نشاهد المدنيين العراقيين كل يوم يلقى بهم على الأرض، وأيديهم مكتوفة بالحبال، فى وضع لا تسمح به اتفاقية جنيف الراقية جدًا. يبقى بعد ذلك ما يقال عن طمع أمريكا نفسها فى بترول العراق، أو محاولة السيطرة على منابعه فى الشرق الأوسط لتتحكم فى أوربا. وفى تقديرى أن كلاً من الهدفين السابقين كان يمكن لأمريكا بما لها من قوة ونفوذ فى العالم أن تتوصل إليهما بدون تلك الحرب، التى كانت وما زالت موضع شك ومساءلة للذين قاموا بها من جانب شعوبهم. وأخيرًا يبقى الهدف الرئيسى غير المعلن، وهو إزالة (وليس تخفيف) التهديد الجاثم على إسرائيل من الناحية الشمالية، وإتاحة الفرصة لها لكى تنفرد بالفلسطينيين، فتستولى على المزيد من أرضهم، بعد أن تهدم منازلهم ، وتخلع أشجارهم، وتبنى جدارها العنصرى الذى لا يوجد له مثيل فى العالم، ولا فى التاريخ.

وهكذا يظل لحاف جحا هو التفسير الأقرب لكل ما حدث !!

التعليقات (0)

الإسم

التعليق

تصغير | تكبير

أضف تعليق