عداد الزائرين

mod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_counter

إضافات حديثة

   
 
الحرص حتى الموت صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك
كتبها Administrator   
الاثنين, 27 يوليو 2015 21:40

الحرص حتى الموت

 


كان لنا صديق بلغت به الوسوسة فى الحفاظ على صحته حدا جعلنا نتابع معظم حركاته وسكناته، لأنها كانت تمثل لنا مادة متجددة للضحك. كان مصرًا على غلى ماء الحنفية ، ثم وضعه فى زجاجات لكى يشرب منه. وعندما كان يجلس معنا فى المقهى أو النادى كان يتجنب شرب الماء تمامًا ، ويكتفى بشرب الشاى المغلى ، وأثناء الطعام لم يكن يتناول السلطات على احتمال أكيد بأنها لم تغسل جيدًا ، وإذا طلبنا شيئًا نأكله اكتفى بالمشويات وحدها لأنها تطهرت بالنار ، أما الخبز فكان يصر على أن يعرضه الجرسون على النار لكى يتحمص. وفى حقيبته كان يحتفظ دائمًا بصابونته الخاصة، التى لا يسمح لأحد آخر باستخدامها ، إلى جانب زجاجة كلولونيا يغسل بها يده بعد النزول من الأتوبيس، لأنه عندما يمسك بالمقابض الموجودة فى سقفه، فإنه يضعها موضع أيد سابقة، قامت بتلويثه. وأحيانًا ما كان يتعرض لخدش بسيط من مسمار فى الكرسى، فيصر أن نصحبه لأقرب أجزاخانة لكى يأخذ حقنة تيتانوس. وتبلغ المأساة ذروتها إذا اقتربت من جلستنا قطة وديعة ، فنربت عليها عطفًا ومودة. هنا يقول لنا :


ـــ هل تعرفون أنكم قد حملتم فى أيديكم كمية لا حصر لها من الميكروبات العالقة بها ؟ وهل تعلمون أن القطط الضالة عبارة عن قنابل تلوث تتجول فى الشوارع لنقل الأمراض والأوبئة ؟ وهل فكرتم فيمن لمس هذه القطة قبلكم، لعله شخص أجرب، أو مصاب بمرض خطير!

ويظل يؤنبنا بينما نتبادل نحن ملاطفة القطة ، وربما أعطاها أحدنا – نكاية فيه – بعض الحليب الموضوع على الطاولة أمامنا.


كانت فلسفته أن الصحة ينبغى الحفاظ عليها بكل عناية ، وأن الإنسان لابد أن يتابع درجة حرارته صباحًا ومساء ، كما ينبغى أن يقيس نبضه مرة كل يوم، ولابد أن يكون له موعد ثابت لنومه فى الليل، وأيضا فى النهار.


أما فلسفتنا فكانت تقوم على التساهل الشديد فى ذلك، على اعتبار أن الصحة كالحياة هبة من الله ، وأن المرض قد يصيب الإنسان بسبب وبغير سبب ، وأن الموت قادم لا محالة، وفى أى وقت . كنا نعلم بالطبع أننا قد نفرط فى صحتنا، ولكننا لو عاملنا أجسانا بأسلوب صاحبنا لتحولنا إلى ممرضين دائمين فى غرفة إنعاش !


المهم أنه كان يهزأ من نظرتنا تلك ، وكان يصفنا بالمستهترين، الذين يبذرون أثمن ثروة فى خزائنهم ، وهى الصحة . وقد مر بنا العمر ، ودارت الأيام. ومرضنا وشفينا، وضحكنا وبكينا ، وتعثرنا ثم قمنا نسير مرة أخرى ، حتى وصل إلينا نبأ وفاة صديقنا الحريص على صحته. وفى سرادق العزاء راح كل منا ينظر فى عيون الآخرين لعله يجد إجابة عن السؤال : ماذا أفادته شدة الحرص؟ لكننا لم نتكلم، وخرجنا واجمين. وفى مقهانا المعتاد جلسنا بدون كلمة واحدة. وفجأة أطلت علينا قطة صغيرة تتمسح بأرجلنا. حملها أحدنا إلى أعلى المنضدة، وصحنا جميعًا فى صوت واحد للجرسون : من فضلك ، هات لها كوب حليب !

* *

التعليقات (0)Add Comment

أضف تعليق
تصغير | تكبير

busy
آخر تحديث الجمعة, 27 سبتمبر 2019 13:47