عداد الزائرين

mod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_counter

إضافات حديثة

   
 
اللغة.. آخر حصون العرب صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك
كتبها Administrator   
الجمعة, 26 يونيو 2015 21:00

اللغة.. آخر حصون العرب


[
الأهرام، 2007 ]


ما تزال اللغة العربية الفصحى (وليس اللهجات) من أهم الروابط التي توحد بين العرب في الأفكار والتطلعات والاتصال بماضيهم المجيد. ومن الواضح أن حالها على ألسنتهم بالذات لا تسر صديقا، أما مستواها على أقلامهم فمازال متماسكا. ولولا أن الصحف والمجلات ومحطات الإذاعة والتلفزيون تستعين بمصححين محترفين يضبطون نطق الألفاظ وصحة الأساليب لخرجت الأمور عن السيطرة تماما. أما الذين يجيدون اللغة الفصحى حاليا فإنني أرثي لهم، لأنهم يحرصون على الأداء اللغوي الصحيح بينما لا يوجد حولهم من يعرف الصواب من الخطأ، وأخشى أن تنطبق عليهم في يوم من الأيام رواية نهر الجنون لتوفيق الحكيم! والأدهى من ذلك أن أولئك الذين يتطلب عملهم استخدام اللغة قد أصبحوا يتهاونون كثيرا في إتقانها، ومنهم المدرسون والقضاة والمحامون والمذيعون ونواب البرلمان بالإضافة إلى الموظفين الذين ينحصر عملهم في كتابة المذكرات والتقارير.


ومن العجيب أن هذا الحال المتردي لا يقتصر على بلد عربي واحد، وإنما يعم البلاد العربية كلها وبدون استثناء. فما هي العوامل التي أدت إلى ذلك؟ وكيف يمكن إصلاح الأوضاع؟ هذان هما السؤالان الكبيران اللذان يستحقان إجابة واضحة ومحددة. ولا شك أنهما مرتبطان أحدهما بالآخر ارتباط السبب بالنتيجة. وبالنسبة إلى السؤال الأول يمكن القول بأن تدهور اللغة الفصحى إنما يرجع إلى عدة مئات من السنين، وبالتحديد منذ صارت مقاليد الحكم في بلاد العرب بأيدي الأجانب، سواء كانوا من المماليك أو الأتراك، أو البرتغاليين والهولنديين والفرنسيين والبريطانيين والإيطاليين. وفي تلك المرحلة الزمنية الطويلة لم تسقط اللغة العربية وحدها وإنما سقط الفكر العربي نفسه. ومن الحقائق المؤكدة أن كلا من الفكر واللغة وجهان لعملة واحدة، أو هما مثل السوائل في الأواني المستطرقة: يصعدان معا ويهبطان معا. لذلك فإن النهضة الفكرية التي شهدها العرب في مطلع القرن العشرين قد صحبتها بالضرورة صحوة لغوية واضحة، وبرز على الفور عدد من المفكرين والكتاب الذين أعادوا للغة العربية رونقها وقوتها معا من أمثال أحمد لطفي السيد والعقاد وطه حسين ومحمد حسين هيكل والرافعي والزيات والمنفلوطي. وفي نفس الوقت قام الزعماء السياسيون بإلهاب المشاعر الوطنية بواسطة لغة قوية من أمثال عبد الله النديم، ومصطفي كامل، وسعد زغلول ومكرم عبيد وحتى الشعر نفسه راح ينتعش على أيدي البارودي ثم أحمد شوقي وحافظ والعديد من شعراء مصر وسائر البلاد العربية.


وهناك عاملان جديدان لابد من الإشارة إلى دورهما في اعتدال حال اللغة العربية الفصحى، وهما انتشار التعليم، وشيوع الصحافة، أما التعليم فقد راح يؤكد في أذهان التلاميذ قواعد الصحة اللغوية، ويميز لهم الصواب من الخطأ. وأما الصحافة فقد قامت بدور هام للغاية في تحرير الأسلوب العربي من المحسنات البلاغية المرهقة، ومنها السجع البغيض، ويعمم بدلا من ذلك لغة سهلة مباشرة، تصف الأحداث، وتحلل المواقف، وتصل للقارئ من أقرب الطرق. لكن الحال لم يستمر على ذلك طويلا، فما لبثت الأخطاء أن كثرت، والتفكير بالعامية زاد، والتفاخر باستخدام الألفاظ الأجنبية قد أصبح ظاهرة سيئة ومرضيا عنها (مثل استخدام كلمة سوسيولوجي بدلاً من اجتماعي!!).


أما بالنسبة لإجابة السؤال الثاني: كيف يمكن إصلاح الأوضاع؟ فسوف أكتفي هنا بذكر منظومة من خمس أدوات، لابد من توافرها لتعليم اللغة العربية الفصحى على أساس سليم. ومن الغريب أن شيئا منها لم يتحقق حتى الآن، على الرغم من وجود مدارس ومراكز ومجامع للغة العربية في سائر أنحاء الوطن العربي كله. أولي هذه الأدوات هو قاموس عصري لمفردات اللغة العربية، يكون على غرار أي قاموس إنجليزي أو فرنسي أو ألماني أو روسي أو صيني.. ثانيا: قاموس لأفعال اللغة العربية: تصريفها وإسنادها للضمائر. ثالثا: قاموس لأدوات اللغة العربية، وهي التي تربط بين الأسماء والأفعال وتتغير المعاني أحيانا باستعمالاتها المختلفة. رابعا: كتاب مبسط يتضمن  قواعد اللغة العربية، ويمكن أن يستوعبه أي قارئ بدون معلم. وأخيرا كتاب أو عدة كتب لمختارات من نصوص اللغة العربية، تتيح الفرصة لتطبيق القواعد عليها، والتعرف على مختلف أساليب الكتاب العرب المتميزين. تلك هي منظومة الأدوات الخمسة الغائبة. فهل من يسمع؟ وهل من يحاول أن يتقدم للإصلاح؟


*********

 

التعليقات (0)Add Comment

أضف تعليق
تصغير | تكبير

busy
آخر تحديث الجمعة, 26 يونيو 2015 21:01