عداد الزائرين

mod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_counter

إضافات حديثة

   
 
تقديم صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك
كتبها Administrator   
الجمعة, 01 مايو 2015 01:33

تقديم


لو كنت أستطيع لقمت بترجمة مئات القصص القصيرة من الأدب العالمى إلى اللغة العربية. فأنا من أشد المتحمسين إلى ضرورة تطعيم الآداب بعضها ببعض , هذا التطعيم هو الذي يدفع الأدب القومي إلى مزيد من الازدهار , ولأن الأدب - كالعلم - ينبغي أن يتوزع عطاؤه على كل شعوب العالم . وتثبت التجارب أنه ما من أدب استقبل ثمار أدب آخر إلا ازداد بها قوة , واندفع من خلال الاطلاع عليها وهضمها إلى آفاق أخرى جديدة . .


ويحضرني هنا أن نجيب محفوظ بدأ حياته الثقافية بترجمة كتاب عن مصر القديمة , وعلى الرغم من أنه كتاب علمي في مادته ومنهجه , إلا أنه كان فاتحة خير للمترجم , كي يكتب بعد ذلك ثلاث روايات عن الحياة المصرية القديمة هي: رادوبيس وعبث الأقدار وكفاح طيبة . النتائج إذن تخرج من مقدماتها . ولن يبرز بيننا أديب مصري أو عربي متميز دون أن يكون قد تزود بالكثير من الثقافة المحلية والعالمية . وكما قيل بحق إن " الأسد ليس إلا عدة خراف مهضومة ".

 


لن يكون من العيب ان أذكر هنا قصتي مع اللغات الأجنبية التي تعلمتها , وكانت أولاها الإنجليزية التى درستها على نحو هزيل دون أن أحقق فيها شيئًا يذكر . ولم يكن ذلك ذنبي , وإنما ذنب المنهج المدرسي والجامعي العقيم الذي يجعل من اللغات الأجنبية مقررًا نظريًا , يخلو من التدريب والممارسة , ولذلك يخرج التلاميذ والطلاب دون أن يستطيعوا . .

 

 

حتى محاورة زائر أجنبي , أو دلالته على ما يمكن أن يراه من معالم سياحية في بلاده. ومع ذلك فقد ظللت أحاول - عبثًا - أن أجيد الإنجليزية , وأحسن وسائلي فيها , لكن النتيجة توقفت عند قراءة بعض النصوص , ومحاولات فاشلة لترجمة جزء من كتاب عن الفكر الإسلامي , اكتشفت بعد فترة أنه مترجم بالفعل !

 


وحدث في عام .197- أنني جندت بالجيش . وكان من حظي أن أقضي فترة التجنيد متعلمًا ومترجمًا للغة الروسية . وفي فترة التعليم - التي كانت جادة جدًا - درست لنا اللغة أستاذة روسية , كانت مثقفة للغاية اسمها " إليانا باريسي " .

 


وهي سيدة عجوز , لكنها كانت على درجة عالية من النشاط والاهتمام . وعندما وجدتني مقبلًا على تعلم اللغة الروسية منحتني اهتمامًا خاصًا , وحين علمت أنني شاعر , أعارتني من مكتبتها الخاصة بعض المؤلفات الروسية لبوشيكن وتشيكوف وغيرهما , كنت أقرأها بصعوبة , ولكنني كنت أعجب كثيرًا بمحتواها . .

 


في تلك الأثناء أقبلت - في فترة فراغي النسبي - على ترجمة بعض القصص القصيرة من الروسية مباشرة , وهي ( بنت القصير , جسر بتشوجين , الطاقية السوداء , كلمة شرف , آستا . . مدرِّستي الجميلة ) . . وقد كانت النية أن أستمر في ترجمة العديد من القصص , والقصائد الروسية الجميلة ( التي لم أنشرها بعد) , لكن حدث ما غير خططي تمامًا .

 


في أواخر سنة 1974 , سافرت في بعثة حكومية للحصول على دكتوراة الدولة من جامعة السوربون بفرنسا . وكانت مفاجأة كاملة . فأنا لا أعرف حرفًا من اللغة الفرنسية . لكنني كنت دائمًا توَاقًا إلى الرحلة إلى الغرب , والتعرف المباشر على حضارته التي قرأت عنها كثيرًا . . وفي باريس , بدأت رحلة شاقة مع اللغة الفرنسية ودارستها في أكثر من مدرسة في وقت واحد , حتى كانت فرحتي الكبرى عندما قرأت - لأول مرة ودفعة واحدة - رواية الغريب لألبير كامي . . ولأن من عادتي أن أقرأ بسرعة , لذلك فإن الألم الذي عانيته من القراءة البطيئة بالفرنسية في المراحل الأولى كان أكثر مما يحتمل . .

 


في باريس قضيت ما يقرب من سبع سنوات , متجولًا في مكتباتها قارئًا نهمًا لكل ما كان يتيسير لي الاطلاع عليه , سواء في المكتبة الوطنية , أو مكتبة جامعة السوربون , أو حتى مكتبات الحي اللاتيني المشهورة في شارع سان ميشيل أو المنزوية في الحارات الجانبية . . وميزة المكتبات التجارية في باريس أنها تتيح لكل إنسان أن يسحب من فوق الرف الكتاب الذي يعجبه ويظل يقرأ فيه . . دون أن يزعجه البائع بالمتابعة أو الملاحقة أو التذمر! ميزة أخرى , أن القراء بعد أنيشتروا الكتب وينتهوا من قراءتها يمكنهم أن يبيعوها مرة أخرى للمكتبة , التي تضع فوقها خاتمًا يدل على أن الكتاب مستعمل , وهكذا يعاد بيعه - للقارئ البسيط من أمثالي - بسعر منخفض جدًا , ومن هذا الطريق , اشتريت الكثير جدًا من الكتب الهامة .

 


شعور غريب كان يخالجني وأنا أعيش في قلب حركة الطباعة والتأليف الفرنسية: وهو أنه لابد أن أنقل - أو ينقل غيري من العرب -كل تلك المؤلفات أو معظمها إلى اللغة العربية , نظرًا لأهميتها البالغة , سواء على مستوى الإبداع الأدبي والفكري أوعلى مستوى الدراسات والبحوث الأكاديمية والثقافية . .

 


وفي بداية الثمانينات , عدت إلى القاهرة , وأنا شديد الاقتناع بدور الترجمة العلمية والثقافية . فضلًا عن الجانب الأدبي . . لكنني وجدت الجو العلمي والثقافي منشغلًا بقضايا هامشية , كما فوجئت بأن الترجمة لم يعد لها اعتبار يذكر في التوقيعات العلمية بالجامعة , الأمر الذي أدى إلى انصراف اساتذة الجامعة عنها , وذلك بالإضافة طبعًا إلى مكافأتها المادية المتدنية للغاية , ونظرة الناشرين لها على أنها عمل لا يستحق عناء النشر , لأن كتب التراث كانت هي التي تتصدر قائمة الاهتمامات..

 


وأذكر أنني كتبت مقالًا بعنوان " دور الترجمة في الفكر العربي المعاصر ، نشر في سلسلة " دراسات عربية وإسلامية " - الجزء الثامن وحرصت على أن يكون هو موضوع أكثر من محاضرة ألقيتها في أسبوع ثقافي بسلطنة عمان سنة 1995 . ثم أودعته فيما بعد كتاب " الدوائر المتداخلة " القاهرة 1995 الذي يتحدث عن " تحقيق التراث , والترجمة

والتأليف " , باعتبار الثلاثة ركائز لا غنى عنها في أي حركة علمية أو ثقافية ناجحة .

 


وخلال تلك الفترة كنت أترجم من وقت لآخر قصيدة أو قصة أو مسرحية أو كتابًا من الفرنسية إلى العربية , لكن الكثير من ذلك لم ينشر بعد , وظل بين أوراقي , لا تقع عيني عليه إلا تحسرت على حال الترجمة ومصير الأعمال التي تقدم صورة أخرى من العالم , أو الحقيقة !

 


وفي لحظة تصميم أو فلنقل: لحظة تهور ! جمعت ما ترجمة من قصص قصيرة مترجمة عن الروسية , إلى جانب مجموعة أخرى ترجمتها من الفرنسية , بعضها منقول إليها من التراث الألباني , الذي سوف يلاحظ القارئ العربي فيه مسحة من التراث الشعبي والصوفي ( فاطمة , الدب والدرويش , كيف سقط السروال من حسان ) ، والبعض الآخر بقلم كتَاب فرنسيين مثل (الوظيفة السهلة , وصفحات الوفيات , مدينة وامرأة ) .

 


وفي الختام , أعتذر إذا لاحظ البعض أن إحدى هذه القصص قد ترجمت في مكان آخر , لأنها نتاج فترة طويلة , ربما امتدت إلى ثلاثين عامًا , ولم يتح لي خلالها أن أتابع (كل) ما يصدر في الوطن العربي من أعمال أدبية مترجمة .

 


وإلى القارئ التحية ,,

دكتور حامد طاهر

نوفمبر 2000

 

 

التعليقات (0)Add Comment

أضف تعليق
تصغير | تكبير

busy