عداد الزائرين

mod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_counter

إضافات حديثة

   
 
إعداد المجتمع للحياة صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك
كتبها Administrator   
الأحد, 29 مارس 2015 01:14

 

إعداد المجتمع للحياة

أوروبا نموذجا

 


أقصد بهذا المصطلح : كيفية قيام الانسان فى اى مكان فوق الأرض بتطويع وتطوير البيئة التى يعيش فيها أو تحيط به ، لكى تصبح ملائمة لحياته ومريحة لعمله ورفاهيته على أفضل صورة ممكنة.


ومن الواضح أن شعوب العالم ليست متساوية الحظوظ بالنسبة إلى البيئات التى توجد فيها . فبعضها يعيش ميسورا فى بيئة غنية الموارد ، وبعضها الآخر يعانى من بيئة فقيرة وقاحلة ، بعضها تهطل علي أرضه الأمطار وتجرى فيها الأنهار بينما يعانى بعضها الآخر من التصحر والجفاف .


لكن من طبيعة الانسان انه مخلوق يستطيع ان يتكيف مع مختلف الظروف ، ويمكنه ان يحصل على حاجاته الاساسية من المطعم والملبس والمسكن . وفى سبيل تحسين وتطوير هذه الحاجات الاساسية الثلاث ، انقسم العالم حاليا الى قسمين كبيرين : احدهما متقدم ، والآخر متخلف .


أما القسم المتقدم فهو الذى بذل فيه الانسان جهدا شاقا ، استغرق زمنا طويلا ، لكى يحسن وسائل الحياة فيه ، سواء للفرد أو للمجتمع كله ، ومن اجل ذلك اخترع الأدوات البدائية ثم الآلات الميكانيكية وأخيرا الأجهزة الالكترونية وذلك كله من أجل توفير جهده العضلى ، والحصول على أفضل عائد من النتائج المنشودة .


أما القسم الآخر من العالم فقد ظل ــ كما كان من مئات السنين ــ منكفئا على ذاته ، يعيش حياته يوما بيوم ، غير مقدر لقيمة التطور، الذى يقوم على العلم ، ولا للنتائج المترتبة عليه ، لذلك فقد ترك البيئة المحيطة به تتعقد وتتشابك وتنحدر دون ان يتدخل لتهذيبها واسغلال مواردها لصالحه .


فى أوروبا مثلا ، يهطل المطر فى معظم شهور العام ، ولا يكاد ينقطع طوال الليل والنهار ، ومع ذلك فقد استطاع الانسان هناك أن يهىء لنفسه البيئة التى لا يؤثر فيها هذا المطر المتواصل ولا البرد القارس من خلال بناء المنازل بصورة تحمي سقوفها من تساقط المطر ، ورصف الشوارع بأسلوب خاص بحيث لا تتجمع فيها المياه ، حيث يتم صرفها مباشرة فى فتحات تحت الارصفة . وهكذا بمجرد توقف المطر ، تعود الشوارع جافة ونظيفة ومبهجة . وبالنسبة الى البرودة التى تصل احيانا الى ما تحت الصفر ، تتوافر التدفئة اللازمة فى البيوت والمقاهى واماكن العمل ومحطات المترو والقطارات .


وفيما يتعلق بالصرف الصحى ، قام الانسان هناك ببناء مدن بكاملها تحت المدن السكنية ، وهى عبارة عن مجموعة شبكات رئيسية وفرعية لتصريف المجارى بحيث يتم تجميعها فى اماكن محددة ، حيث يجرى تنقيتها ومعالجتها للاستفادة منها فى الزراعة والتسميد ، وبالتالى لا يوجد فى اى بلد اوربى ما يعرف بـ : طفح المجاري !ّ


أما مشكلة القمامة التى تعانى منها بلاد العالم المتخلف ( والتى نطلق عليها مجاملة : البلاد النامية ) فقد توصل الانسان الاوربى الى حلها منذ وقت طويل . واليوم ، اصبح المواطن يشارك بكل وعى وطواعية فيه : فقد اصبح كل فرد يقوم بوضع أصناف القمامة التى يلقيها فى حاويات مخصصة لذلك : الزجاجات الفارغة فى واحدة ، والفوارغ المعدنية فى الثانية ، ثم بقايا الطعام والأوراق المستعملة فى الثالثة . وهذه الأصناف الثلاث لا تلقى فى أكوام بالعراء ، وإنما تنقل إلى مصانع ضخمة تقوم بتدويرها ، وإعادة تصنيعها ، والافادة من محروقاتها فى تدفئة الأماكن العامة .


وبالنسبة الى المواصلات ، التى تمثل عصب العمل فى المجتمع ، نجح الانسان هناك فى عمل شبكة متكاملة من الطرق ، السريعة والبديلة ، وكلها مرصوفة بصورة جيدة . وعلى جانب هذه الطرق تنساب القطارات السريعة والأسرع من الصوت بكل دقة وانتظام . هذا بين المدن الرئيسية ، أما داخل المدينة الواحدة وضواحيها ، فهناك المترو ، والأوتوبيس الذى لا يسمح فيه براكب يقف على قدميه ! ثم التاكسى الذى لا يقبل سوى راكب واحد ، وأخيرا السيارات الخاصة وكل ذلك من أجل ان ينتقل الانسان من منزله الى مكان عمله وبالعكس على نحو مريح ، ودون أن يفقد جزءا من طاقته وأعصابه فى الطريق .


أما مكان العمل فتتوافر فيه كل الظروف اللازمة لراحة الموظفين من ناحية وسلاسة الاجراءات للمواطنين من الناحية الاخرى . الكل ملتزم بمواعيد الحضور والانصراف دون تكاسل او أعذار . والنشاط هو السمة الغالبة ، كما لا توجد رشوة ولا محسوبية . والموظف الذى لا يحب عمله بإمكانه ان يبحث عن عمل آخر حتى لا يعيش يائسا او مكتئبا . ومدة العمل فى أوربا كلها تبدأ من الثامنة صباحا وتنتهى فى الخامسة ، يتخللها ساعة واحدة لتناول وجبة خفيفة فى الساعة الثانية عشرة ظهرا .


اما الجمهور الذى لديه معاملة فى إحدى المصالح الحكومية فلا يقال له أبدا: ( فوت علينا بكره ) لأن الكمبيوتر يقدم كل المعلومات المطلوبة فى لحظة خاطفة .


وبعد العمل الجاد طوال الأسبوع ، تأتى الأ جازة التى تمتد يومين كاملين ( السبت والأحد ) . وهناك من ينادى بجعلها ثلاثة أيام ! وذلك لكى يستريح الانسان جسما وعقلا وروحا ، حتى يكون أكثر قدرة على مواصلة العمل بعد ذلك بكل همة ونشاط . وهكذا تصبح الفرصة متاحة أمام الموظف أو العامل لممارسة هوايته المفضلة ، مثل الخروج إلى الضواحى أو الريف ، وفى فصل الصيف إلى الشواطئ ، أو الذهاب إلى السينما أو المسرح ، أو تبادل الزيالرات مع الأهل والاصدقاء .


وفيما يتعلق بحرية الرأى والتعبير لمن يريد أن يمارسها ، تفتح الأحزاب السياسية أبوابها لمن يرغب فى الانضمام إليها ، وفيها يحق لكل من له طموح سياسى أن يعبر عنه ، وأن يتناقش فيه مع زملائه ، فضلا عن قيامه ببعض الأعمال ذات الطابع الاجتماعى أو الخيرى . ولا شك أن هذه الفرصة تتيح للفرد ألا ينعزل او يتقوقع أو يقع فريسة لبعض التجمعات الخارجة على نظام المجتمع.


أما الجانب الاخلاقى ،وهو المتصل مباشرة بالسلوك الفردى ، فان الانسان الأوربى يعتبره من الأمور الشخصية التى لا يتدخل فيها أحد ، أى أنها متروكة لاختيار كل شخص حسب ما تمليه عليه تجربته الإنسانية وثقافته العامة ، دون أن يحاول فرضها على الآخرين . وعموما فإن هذا الجانب هو الذى يباعد بين ثقافة الغرب وثقافة الشرق ، ويؤدى أحيانا إلى رفض ( كل ) ما لديه .


لكن مما يحسب للإنسان الأوربى أنه نجح فى القضاء على الأمية ، وبذلك استطاع أن يحرر الأفراد من الجهل ، وبالتالى عدم استقاء معلوماتهم من أشخاص غير مؤهلين قد يضللونهم أو يخدعونهم . إن من يستطيع أن يقرأ هناك تنفتح أمامه آفاق واسعة من المعرفة فى مختلف مجالات الحياة ، وهذا ما يجعله يقف على الحقائق بدلا من الشائعات ، وعلى وسائل النجاح الحقيقية بدلا من الوقوع فى فوضى الاجتهادات . وهنا تقوم دوائر المعارف ، العامة والمتخصصة ،والقواميس وسلاسل المعرفة المبسطة بدور كبير للغاية فى تثقيف وتوعية الجميع فإذا أضفنا إلى ذلك ما تم أخيرا من تطور هائل فى وسائل الإعلام ، وما أتاحته شبكة الانترنت ــ أدركنا إلى أى مدى وصل الإنسان الأوربى فى ميادين المعرفة والثقافة العامة .


وهنا لا بد أن نستعين ببعض المقارنة : فقد كان الفارق كبيرا جدا بين الغرب الأوربى الذى سبق إلى إعداد المجتمع للحياة لديه على نحو جيد كما رأينا ، وبين الشرق الذى تأخر عنه حوالى قرنين من الزمان . لكن الخمسين سنة الماضية شهدت انطلاقة كبرى فى الشرق الأقصى ( اليابان ، الصين ، الهند .. الخ ) بحيث بدأت تقترب ، بل أحيانا تتفوق على الدول الأوربية العتيقة . وهكذا أصبح كل من الشرق والغرب يتقاسمان التقدم ، ويتشابهان فى إعداد المجتمع للحياة .


أما الشرق الأوسط الذى يقع جغرافيا بين أوربا والشرق الأقصى فهو الذى ما زال متعثرا فى خطواته ، وغارقا فى جدل لفظى حول أهمية التقدم ؟ ومناهجه ؟ ووسائله ؟ وإمكانياته ؟ ــ والمشكلة الأهم أن الأفراد فيه ، مثل الدول تماما ، حين يختلفون فى الآراء والرؤي يتحولون إلى أعداء ، يضرب بعضهم رقاب بعض !


إن إعداد المجتمع للحياة لا تبدأ من فراغ ولا بصورة عشوائية ، وإنما من تلبية الحاجات الثلاث الضرورية للإنسان ، وهي المأكل والملبس والمسكن ، وليس المقصود بالطبع مجرد توفيرها وإنما الارتقاء بها إلي أفضل نحو ممكن . فلا بد أن يخلو المأكل من التلوث ، والملبس من الإضرار ، والمسكن من العشوائية .. ويكفي أن يلقي المسافر بالطائرة نظرة من الجو علي أي مدينة أوربية أو آسيوية حاليا ليشاهد : دقة التخطيط ، وجمال التنظيم ، من خلال مجمعات المساكن المتناسقة ، والطرق الرئيسية والفرعية التي تتخللها ،بالإضافة طبعا إلي حدائق المنازل ، والأشجار التي تحيط بها ، وإشارات المرور التي تضبط حركة المرور فيها . ومن المؤكد أن هذا كله لم يأت من فراغ ، بل إنه يخضع بكل دقة لتخطيط جيد ، وتنفيذ كفء ، ومتابعة يقظة ، وصيانة مستمرة ، بالإضافة إلي قانون صارم يعاقب كل خارج على هذا النظام ، فلا يتصور أبدا أن يتجرأ أحد على تعلية مبنى أطول من المبانى المجاورة ، أو يشغل الرصيف أمام منزله بسلسلة تعوق حركة المشاه .


هذا مجرد مثال . لكنه يعبر عن أن إعداد المجتمع للحياة يبدأ وينتهى بإعمال العقل فى دراسة البيئة ، وحل مشكلاتها ، وعدم إضاعة الوقت والجهد فى جدليات فارغة ، ودوران لا نهاية له حول أمور لا تقدم فى كل يوم شيئا مفيدا لحياة الانسان .


ولعلنا الآن في غير حاجة إلي أن نؤكد علي أن إعداد المجتمع للحياة لا يتناقض فقط مع الجهل والإهمال واللامبالاة ، وإنما أيضا مع التعصب والتطرف والإرهاب. ومن الطبيعي ألا يتعايش البناء مع الهدم ، ولا النظام مع الفوضي ، ولا الجمال مع القبح والخراب . وهنا نصل إلي نقطة علي درجة كبيرة من الأهمية، وهي ضرورة أن تتناسق وتتعاون القوانين في الدولة مع ثقافة المجتمع وسلوكه الطوعي ، وإيمانه بأن الحياة لا تستقيم إلا بأكبر قدر من الالتزام ، وعدم تغليب المصلحة الشخصية للفرد علي الصالح العام للمجتمع الذي يعيش فيه ،والذي يجري إعداده أيضا لاستقبال أجيال جديدة من الأبناء والأحفاد من بعده .


 

التعليقات (0)Add Comment

أضف تعليق
تصغير | تكبير

busy
آخر تحديث الجمعة, 03 يناير 2020 16:12