عداد الزائرين

mod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_counter

إضافات حديثة

   
 
المناهج الحديثة في دراسة الأساطير الإغريقية صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك
كتبها Administrator   
الثلاثاء, 27 يناير 2015 20:03

المناهج الحديثة في دراسة

الأساطير الإغريقية

 

 

أ.د. حامد طاهر

 

تلعب الأسطورة الإغريقية دورا هاما في الفكر الأوربي المعاصر بالإضافة الي دورها الرئيسي في مجال الفنون والآداب . ولا يرجع هذا إلي المصادفة فالاسباب تضرب بجذورها في الواقع والتاريخ معا . إن معظم الكتاب والأدباء والفنانين الأوربيين علي معرفة باللغة اليونانية القديمة ، تعلموها في المدارس والجامعات ، أو درسوها وحدهم ، ومن ثم فهم علي اتصال مباشر بالثقافة اليونانية القديمة التي نشأت فيها الأساطير . ومن ناحية أخري ، فإن أوربا تعتبر تقدمها الفكرى الحالى امتدادا طبيعيا للفكر اليونانى القديم ، ولم تكن العصور الوسطي ، من هذه الزاوية ، إلا فاصلا تاريخيا ، ما لبث أن سقط عندما اتصل عصر النهضة الأوربية بمنابعه الأولي في أثينا وروما .


إن دهشة القارئ العربي لا تكاد تنقطع من رؤية ذلك التلاحم القوي بين  الأسطورة الإغريقية والأعمال الأوربية الحديثة ،سواء كانت فكرية أو أدبية أو فنية. فهي تدخل في الكثير من هذه الأعمال : تارة كعنصر أساسي ، وتارة كوسيلة من وسائل الشرح والتفسير ، وتارة ثالثة تظل روحا محومة حول العمل  الفكري أو الفني ..والمهم أن جمهور القراء ليس غريبا عن شئ من ذلك .

 

فالأسطورة الإغريقية توقظ في الانسان الاوربى دلالات قريبة وموجودة بالفعل في أعماقه..إنها  باختصار جزء منه ، وقطعة من تاريخه . سبب آخر ، هو أن الفلسفة الحديثة ــ وكل الكتاب الأوربيين بالطبع علي  اتصال مباشر بها ــ ليست مقطوعة الصلة بالفلسفة اليونانية القديمة .

 

إنها امتداد طبيعي لها ، وربما اعتبرت ــ من وجهة نظر معينة ــ تطويرا للكثير من مقولاتها . ومن المعروف أن الفلسفة اليونانية قد نشأت ملتحمة بالأساطير   (مثال : سقراط وكاهنة معبد دلف ، أفلاطون وأسطورة الكهف ) أما الأهم من ذلك كله ، فيتمثل في المسرح الإغريقي الذي استمر عبر العصور ــ وحتي يومنا هذا ــ مصدر إلهام حيا لجميع كتاب المسرح في أوربا ..ولاشك أن هذا قد ساعد علي ترسيخ الأسطورة الإغريقية في بناء التقاليد الأدبية نفسها ، بالإضافة إلي غرسها في وعي الجمهور .

 

وإذا كانت الأسطورة الإغريقية تلعب ذلك الدور الحيوي في الآداب والفنون،  فإنها قد احتلت اهتمام العلم الحديث ، واصبحت موضوعا مثيرا لدراسات متعددة ، حاولت تفسير نشأتها ، وتحليل محتواها ،والوقوف علي رموزها تبعا  لمناهج مختلفة .وتتمثل هذه المناهج فى الأربعة التالية : المنهج اللغوي ، المنهج الاجتماعي ، المنهج المقارن ، المنهج السيكلوجي . لكن قبل أن نعرض لكل منهج بالتفصيل ، يحسن أن نقدم فكرة عن الأسطورة بصفة عامة ، والأسطورة الإغريقية بصفة خاصة .

 

من المعروف أن الأساطير الإغريقية تطلق علي كل القصص العجيبة والمدهشة التي حفظتها لنا النصوص والآثار في البلاد الناطقة باليونانية من القرنين الثامن والتاسع قبل الميلاد ( وهو العصر الذي تنسب إليه قصائد هوميروس) إلي نهاية العصر الوثني (حوالي ثلاثة أو أربعة قرون بعد الميلاد ) .

 

والواقع أنها مادة هائلة ، لكنها غير محددة ، ذات أصول وخصائص شديدة  الاختلاف ، لكنها لعبت ــ ومازالت ــ دورا هاما في التاريخ الروحي للإنسان .

 

إن كل الشعوب في لحظة ما من تطورها تصنع الأساطير ، أي القصص العجيبة التي تدخلها ، إلي حد ما في معتقداتها . ولأن الأساطير تحتوي في الغالب علي قوي أو كائنات فوق الطبيعية فإنها ظلت تنتسب فى الدراسات الاجتماعية والانثروبولوجية إلي مجال الديانات ، وبهذا تمثلت  كنظام ، إلي حد ما متماسك ، لتفسير العالم . كل حركة من الأبطال تحدث نتائج  يرن صداها في العالم كله . وإلي هذا النوع من الأساطير تنتسب القصائد الملحمية الدينية الكبري في الأدب الهندي .

 

لكن في بلاد ،أخري يتغلب العنصر الملحمي ، دون أن تغيب تلك القوي فوق الطبيعية من القصة ؛ لأن تأثيرها محسوس به . أما الملاحم الأولي في اللغة  اليونانية القديمة فهي عبارة عن الإلياذة والأوديسة ، وهما " أساطير " بالمعني الواسع للكلمة ؛ لأنهما مليئتان بعملية المزج القوي بين ما هو إنساني ، وما هو فوق الطبيعي ( أسلاف أبطال الإلياذة ، إن لم يكن آباؤهم ،  آلهة ، وكذلك الأوديسة ) .

 

لقد استطاعت الأسطورة بابتعادها عن الجانب العقلي أن تحتفظ بحياتها الخاصة ، وهكذا وقفت في منتصف الطريق بين العقل والعقيدة . وقد استمدت  الأسطورة ، لدي الإغريق ، مصدرها من تأملاتهم ، ثم من ورثتهم المتأخرين . وإليها عاد شعراء المأساة ليستمدوا منها موضوعاتهم ، والشعراء الغنائيون صورهم . إن كلا من برومثيوس وأوديب وأورست إنما كانوا في البداية أبطال  أسطورة ، كما أعيد تناول صور أشيل وأليس وأجاكسا علي نحو واسع وغير محدود .

 

ومما ساعد علي شيوع الأسطورة : امتزاجها بالحياة اليومية . وهكذا نجحت لأسطورة في المنزل ــ كما علي المسرح ــ في أن تسيطر علي الخيال ، وأن تؤثر في الفكر ، وأن تمتزج بالتصورات الأخلاقية ، ولم ينج منها حتي الفلاسفة الذين  كانوا يلجأون إليها عندما تبلغ براهينهم آخر حدود اكتمالها العقلي ، ولا يجدون  مفرا من أن يستعينوا أحيانا باللامعقول !

 

لاشك في أن شيوع الأسطورة علي هذا النحو ، وتحرير قواها ، كانا من أهم الركائز الأساسية، بل ربما كانا أكثر إضافات الهللينية خصبا فيما قدمته للفكر الإنساني. بالأسطورة فقد " المقدس " إرهابه ، وانفتح في داخل النفس الإنسانية إقليم كامل للتأمل ، وبفضل الأسطورة استطاع الشعر أن يصبح حكمة .

 

 

الأساطير أمام العلم الحديث :

في كتابه عن "الأساطير الإغريقية " يري الباحث الفرنسي بيير جريمال أنه عندما تجردت الأساطير من " هالة الحقيقة الموحي به "  لم  تعد  تثير  مشكلــة مستعصية أمام العقل الإنساني . وفي مجال دراستها وتحليلها طرح السؤال علي  النحو التالي : كيف تم تكوين هذه القصص اللامعقولة عند القدماء ، بل كيف جرت عملية تخليقها ؟

 

لقد بحث القدماء أنفسهم عن "تفسير " للأساطير . لكن هذا التفسير ، كما قدموه ، لا يقنعنا بحال ؛ إذ كيف نعتقد الآن ، في الأقل علي المستوي العلمي ، بأن الآلهة الوثنية تعتبر اختراعات شيطانية صنعتها العقول الشريرة ؟!. أما أن نقبل ، كما فعل فلاسفة القرن الثامن عشر ، أن الخيال الإنساني قادر علي كل ضروب الجنون عندما لا يستنير بالعقل ، فإن معناه رفض المشكلة ، وعدم الاعتراف بخطورة وظيفة الجنون ، التي تعتبر في حد ذاتها واقعا ، ويجب أن يتم تفسيره فقط ، في القرن التاسع عشر ، بدأت دراسة الأساطير الإغريقية علي نحو جاد ، أي كموضوع للمعرفة والتحليل ، وعلي الرغم من سذاجة البداية ، فقد احتوت علي ثورة منهجية أدت إلي ميلاد أحدث النظريات في عصرنا الحاضر .

 

وفيما يلى تعريف مختصر بالمناهج الاربعة التى تمت على اساسها دراسة الاساطير الاغريقية :

 

 

المنهج اللغوى:


بفضل اللغوي الكبير ماكس موللر ، خرج تفسير الأساطير من إطاره التقليدي ، ليدخل مجال البحث الحديث . لقد وجد هذا العالم ، الذي كان علي معرفة واسعة  بالقصائد السنسكريتية ، في الأدب الهندي القديم جدا ، وخاصة في الفيدا ، الأشكال البدائية للمعتقدات والأساطير الإغريقية ، وذهب إلي أن العناصر الإلهية كانت في الأصل أسماء أطلقت علي قوي طبيعية بالصورة التي تخيلها عليها" الناس الأول " .  فعندما اصطدم هؤلاء بظواهر الطبيعة المدهشة ، أطلقوا عليها أسماء ، وقد أخذت هذه الأسماء بالتدريج طابع الأشخاص . وعلينا أن ندرك أن  العقل الإنساني في بدايته لم يكن يمتلك إلا قدرا ضئيلا جدا من التجريد ، وتمثل   الأمور المعنوية . وهكذا بدأت حياة الكون تكتسي بطابع مأساوي .

 

حاول موللر أن يعطي أمثلة بالتفصيل لهذا التطور : فنور الشمس هو في الجملة مصدر للحياة كلها ، ولكل نشاط . ومن هنا فقد أعطي للظواهر الشمسية أهمية أساسية . فبالنسبة إليه ، لا يعتبرصراع زيوس ( الذي يوجد في اسمه جذر يشير إلي النهار ) ضد المخلوقات الجبارة إلا المأساة اليومية التي ينتصر فيها الضوء علي الظلمات . كما ترمز المردة ذوو الأشكال البشعة إلي ضباب الليل ذي الحدود غير المؤكدة . والتيفون ( إعصار استوائي مدمر في منطقة بحر الصين   واليابان ) هو العاصفة . وأتينا المخدرة من زيوس عبارة عن الضوء العذري للنهار عند ارتفاعه . وهيفايستوس الحداد الذي يفتح جمجمة زيوس ليس شيئا آخر سوي الشمس المرتفعة ، الشبيهة بأسطوانة من نار حمراء ، خارجة لتوها من الفرن الإلهي ! كذلك أصبح هرقل بدوره " أسطورة شمسية " ، والأعمال الاثناعشر  أصبحت هي العلامات الفلكية ، والمراحل التي يقطعها الكوكب في رحلته السنوية .

 

وهكذا انحسر تفسير الأساطير بالتدريج ، وبمعونة علم الاشتقاق ، ذي النتائج غير المؤكدة غالبا ، في تأمل واسع المدي حول " المطر ، والجو الجميل " !

 

من المؤكد أن أفكار ماكس موللر M mullerتعتبر بسيطة جدا ، خاصة وقد تبين اليوم أن الأساطير لايتم تكوينها عن طريق " لعبة الكلمات " كما اتضح أن التفسيرات المجازية التي تطبق الأساطير علي الظواهر الفلكية أو الجوية أبعد من أن تكون تفسيرات بدائية . إنها تنبع من تأملات متأخرة نسبيا ، فجانوس ، إله الرومان ، لم يصبح رمزا للسنة إلا تحت تأثير الفيثاغوريين ،قبل القرن الأول الميلادي ، بينما الإله وأساطيره موجودة منذ وقت طويل جدا . وفي مصر القديمة لا يسعنا إلا أن نعترف بأن أسطورة إيزيس وأوزيريس ، التي تعتبر أسطورة شمسية غاية في الروعة ، ليست بدائية في قوتها القانونية وإنما تختصر فكرا لاهوتيا جري إعداده قبل ذلك بوقت طويل عن طريق تأملات الكهنة .

 

لهذه الأسباب ، ولأخري غيرها ، لم تكف قدرة علم الجناس البلاغى عند ماكس موللر في تفسير الأساطير . وكان يجب الرجوع إلي مفهوم أكثر دقة لمكان اللغات والقصائد السنسكريتية في داخل تاريخ الشعوب الهندو ــ أوربية ، وإلي تحليل أكثرعمقا لفكر أفراد ومجتمعات لم تنطفئ من حياتها شعلة الحركة الأسطورية .  وهكذا هجرت النظريات اللغوية ، أو المنهج اللغوي في تفسير الأساطير ، ولم يعد  لها مكان في الأبحاث الحديثة .

 

ومع ذلك ، فإنها محاولة تستحق التقدير ، إذ يعود لماكس موللر الفضل في دفع النقاش حول الأساطير من مجاله الكلاسيكي إلي مقارنته بمجالات أخري . وأيا كان النقاش ، قابلا للاعتراض ، فيكفي أنه أكد علي أهمية اللغة بصفة عامة في

تكوين الأساطير .

 


المنهج الاجتماعي :


مع أعمال مانهاردت وفريزر ، دخل تفسير الأساطير مرحلة جديدة ؛ إذ أصبح الأمر يتعلق بمشاهدة الأساطير ، وهي تولد .. في الحاضر ، وتحت أعيننا !   ـــ  كيف ؟يكفي التوجه إلي المجتمعات التي استطاعت أن تحافظ علي قدرة خلق الأساطير ،  ومازالت تخلقها حتي اليوم . ويعتمد هذا المنهج علي مسلمة ، خلاصتها أن خطوات العقل البشري متشابهة أيا كان الشعب ، وأيا كان الجنس . وهكذا يمكن لأسطورة إغريقية أو رومانية أن تفسر علي ضوء أسطورة بولندية معاصرة . إن كلا من هذه الاساطير تشترك جميعا في بعض الأسس الراسخة في الطبيعة البشرية .  فالاعتماد الطبيعي في الخلود ورفض الموت يعتبران بالنسبة لفريزر كما  لو كانا خصائص أساسية مرتبطة دائما بالإنسان في كل زمان ومكان .

 

بالنسبة للإنسان البدائي ، يعتبر الموت دائما عرضا يمكن تجنبه ، وهو يحدث غالبا نتيجة تدخل قوي شريرة ، وحول هذا الموضوع تكونت طقوس كان هدفها تطوير قوي الخير ، وكبح القوي المضادة لها .

 

اختار فريزر كأساس لبرهنته واقعا لاتينيا : إذ وجد في (نيمي) بالقرب من روما غابة مقدسة ، حيث كانت تسيطر الإلهة ديانا ، وكان قسيس هذا المعبد يحمل لقب "ملك الغابة " وكانت العادة تسمح لأي إنسان يصل إليه أن يقتله ويأخذ مكانه .

 

ويري فريزر أن ملك الغابة يشخص جيبيتر ( إله أشجار البلوط والرعد ) ، وإذا كان يحدث الإهلاك بالموت العنيف ؛ فذلك لأنه كان يخشي من الشيخوخة والمرض ، وباختصار من العجز الفيزيقي الذي يضعف فيه حيوية الذهن ، وبالتالي يخمد  حيوية الطبيعة بأسرها .إن صورة القسيس الضعيف ــ وهو يحس بضعفه وهزيمته أمام هجوم إنسان أكثر منه شبابا وحيوية ــ كانت تمثل خطرا بالنسبة  للجميع .

 

وهكذا حاول فريزر أن يبرهن علي أن هذه الأسطورة أو تلك ، الخاصة بالمحن الواقعة علي الملوك ، تحتفظ ، علي نحو محدد ، بذكري أصوات موغلة في الواقع العملي .

 

إن كل أساطير الأطفال المعروضة لها ما يقابلها في إفريقيا وأمريكا ، حيث " المولود ــ البكر " مصاب غالبا بحرمان حقيقي ، إذا عاش ، فإنه يعرض وجود أبيه الملك ، بل ووجود المدينة كلها للخطر . مثل هذا كان : النواة لكثير من الحكايات الأسطورية ، وبعد أن كان في البداية واقعا فعليا أخذ يفقد دلالته  بالتدريج ، ويتحول إلي أسطورة . ونحن نعلم أن الشعوب البدائية هي التي تعطي لتفسير العادات شعار " هكذا كان يفعل آباؤنا .. " وقد ترك هذا ، دون شك ، ذكري  جماعية تمثلت في شكل أسطورة .

 

وتاريخ اوديب مثال جيد على ذلك : فلأنه ولد على الرغم من إراده الكهنه ،كان عليه ان يموت ، وعندما نجا مصادفة،اصبح خطرا ،ليس فقط على ابيه،والذ ى انتهى بان قتله، وانما ايضا على مدينه طيبه بأسرها ، تلك التى جلب عليها بمجرد وجوده بها كل ضروب الكوارث والمحن . كذلك يفسر فريزر بالتضحيه بالأبناء البكر فى العائلات الملكيه تاريخ بريكسوس وهيليه، التى يضعها الشعراء الاغريق فى دورة الأبطال البحريين ، حيث المجاعه التى تعرضت لها مقاطعه تيسالى ولم تنته إلا بالتضحيه بأطفال الملك أتاماس : وينجو الطفلان بفضل كبش ذى شعر مذهب ، لكن بعد ذلك ،عندما يصاب أبوهما بالجنون يقتل ليارك ابنه من زواج أخر، وعندئذ تقتل زوجته ابنهما الثانى ملقية بنفسها معه فى الأمواج .

 

وفى العصر التاريخى ، كانت العاده تقضى بأن"الابن-البكر" فى ذرية الملك يعيش محروما- تحت حكم الموت- من الالتحاق بالمدرسة الحربية للمدينة .

 

وهكذا تبدو الأحداث متناسقه:أسطوره أتاماس الخطر الجاثم على الأبناء الأبكار،وذرياتهم المتتابعه تشير بوضوح إلى انه فى مقاطعه تيسالى،كانت توجد طقوس التضحيه، التى كانت بدورها موجوده فى العديد من المجالات الأخرى. ويقرر فريزر بأن اليونان القديمه - دون أن تمثل استثناء فى تاريخ المجتمعات الإنسانيه - تنضوى تحت هذا القانون العام .

 

والنتيجه أن الأساطيرالإغريقيه ليست عند ولادتها نتاج معجزة . فالأبحاث الفلكلوريه التى تمت بعد فريزر- والتى اتخذت موضوعا لها : البحث عن الطقوس والأساطيرالشعبيه لدى البلاد المتحضرة ـ- قد كشف عن عدد من الموضوعات الكبرى التى تكونت حولها ، بصوره طبيعيه ، أساطير، مثل :

- طقوس الانتقال من طبقه اجتماعيه إلى طبقه أخرى .

- طقوس التعرف بأسرار فن أو مهنة .

- طقوس جنائزية .

- طقوس استدعاء المطر .

- طقوس السحر المخصب... إلخ .

 

والواقع أن منهج فريزر يساعدنا فى الحصول على عدد من المستويات  أو بعباره أخرى ، الصيغ المحدده لهذا النوع أو ذاك من الأساطير. وهذا التصنيف يعتبر ، فى حد ذاته ، تقدما ، وبمعنى من المعانى ، تفسيرا حقيقيا .

ومع ذلك ، فإن المنهج الاجتماعى ، المتصور بهذا الشكل لا يعتبر مرضيا على  نحو كامل . فهو يعتمد أساسا على مشابهات قائمه بين مجالات شديدة الاختلاف ، وغالبا ما نجد لدى أتباعه لونا من التحذلق فى البحث عن مقابلات  بين مجتمعات هى أبعد ما يكون بعضها عن بعض . وبالتالى فكثير جدا من هذه المقابلات يقوم على ملاحظات خارجيه واعتباطيه : ذلك الكبش ذو الوجهين فى جزيره سيرينام لا يوقفنا فى الحقيقه على شىء من طبيعه جانوس ، الإله الرومانى ذى الوجهين ، كل ما فى الأمر أن هناك تمثيلآ لكائن ذى وجهين متعارضين . لكن كيف يمكن الذهاب أبعد من ذلك ؟! كذلك فإن الألغاز التي ألقاها  أبو الهول علي أوديب تتبع تلك الطائفة المعروفة جيدا للمحن المفروضة علي ملك قبل أن تتاح له السلطة . ومع ذلك فإنها لا تقدم لنا شيئا كثيرا عما كانت هذه المغامرة تمثله بالنسبة للإغريق . والخلاصة أن هذا المنهج عن طريق التوغل في  التعميمات قد فقد النظرة الأساسية ، التي تعتبر طابعا شخصيا وخاصا بكل أسطورة علي حدة .

 

 

المنهج المقارن :


يعتبر م . ح. ديميزيل أكبر ممثلي هذا المنهج في فرنسا . وقد أفاد بالطبع من أخطاء المنهج السابق ، لذلك فقد استبعد المقارنة بين المجالات المختلفة بعضها عن بعض . وفي سبيل الحصول علي نتائج أكثر قيمة حاول تحديد مجال  المقارنة بين حضارات ذات علاقة قربي وثيقة ، كما هو الحال مثلا في المجال الهندو ــ أوربي . ومن الواضح أن هذا المنهج يعتمد أيضا علي الدراسة اللغوية .

 

ويمكننا هنا مع بعض التحفظات أن نستنتج من الفيدا أساطير جالوازية أو رومانية ؛لأن كل هذه الشعوب تتكلم لغات قريبة ، موصوفة بأنها " هندو أوربية مشتركة "، في عصر قديم جدا ، ومن ثم فإن أساطيرها تعبر عن تراث متشابه تتقارب فيه الطقوس والاعتقادات بعضها من بعض . وهكذا ينبغي علي الباحث أن يجتهد في اكتشاف وحدة هذا التراث ، والكشف عما هو أساسي فيه وراء الاختلافات المحلية .

 

وتتميز تطبيقات هذا المنهج بالإقناع ، وتعتبر نتائجه بناءة إلي حد كبير . لقد أوضح ديميزيل أن كل المجالات الهندو ــ أوربية كانت تحتوي علي بقايا من تراث خاص بإعداد شراب يسمي " شراب الخلود " . ويمكن العثور علي دورة أسطورية كاملة عن " رحيق الآلهة " عند الهنود في الفيدا ، وعند الإيرانيين في  الأفستا ، وعند الإغريق في عدد من الأساطير المتعلقة بالآلهة . ولا شك في أن كل شعب من هذه الشعوب قد أعطي تلك الصورة طابعا خاصا به ، ينبع من قيمه  وتقاليده ، ومع ذلك فإن الطابع المشترك موجود بينها جميعا .

 

ومع تعميق دراساته ، استطاع ديميزيل أن يبين أن مثل تلك المعتقدات الرومانية الخاصة بعبادة جيبيتير ، أو تاريخ هوراس المنتصر علي كيرياس ، لم يكن يمكن تفسيرها دون إدخال أحداث اجتماعية سابقة علي ميلاد مدينة أو شعب رومانيين . إن أسطورة هوراس تقدم لنا بصفة خاصة خرافة قائمة علي طقس المسارة ( فن تلقين المبتدئ علما أو مهنة ) ، والمحن المفروضة علي المحارب الشاب الذي  سوف يلتحق بطبقة ما عندما يبلغ السن المناسبة .

 

ومع ذلك ، وعلي الرغم من النجاح الساحق الذي حققه المنهج المقارن ، فقد اصطدم فيما يبدو بصعوبات حقيقية عندما حاول تفسير الأساطير الهللينية . هنا بدت المقارنات بعيدة جدا ، وأقل وضوحا ، كما لو كانت عوامل أجنبية جاءت لتفسد الاستمرار المتوقع ، والواقع أن التراث الهندو ــ أوربي كاف لاعتبار كل العناصر المتضمنة في الأساطير الإغريقية . هناك كثير من التأثيرات قد عملت عملها في وقت سابق جدا ، وفي حوض بحر إيجه ، حتي لا تكون النتيجة " تركيبا معقدا " يحتمل أن تكون قاعدته أجنبية عن المجال الهندو ــ أوربي .

 

وفي كثير من الأحوال ، أشار المنهج إلي الأصول الإيجية أو ما قبل الهللينية لهذا الاعتقاد أو ذاك ، لهذا البطل أو ذاك . ولا شك في أن بلاد الساميين قد قدمت إضافة هامة في هذا المجال : لايخلو هرقل من سمات آشورية ، كما أنه قد استعار ــ إلي حد ما ــ صفات البطل السامي جلجامش .

 

إن المنهج المقارن يتعرض لخطر إهمال الشخصية الفردية للأسطورة ، ومثل كل المحاولات التي ترمي لإعادة تركيب التاريخ من جديد ، فإن مجال الافتراضات  يتسع بينما يضيق مجال اليقين .

 

 

المنهج السيكلوجي :


وأخيرا فإن تأمل الفلاسفة ، أوبالأحري السيكلوجيين المعاصرين ، قد طبق  أيضا علي الأساطير . لدي عدد من علماء التحليل النفسي ، تبدو الأسطورة هي المكان الممتاز الذي تظهر فيه ضروب الإعلاء sublimation والرمزية . وسوف تصبح الأساطير عبارة عن " عالم نصف الوعي " لدي الشعوب القديمة حيث رسمت فيها آمالها ،  ومخاوفها ، ورفضها للأخلاق الواعية . والواقع أن الأساطير الإغريقية تحتوي علي الكثير من المغامرات اللاأخلاقية ( كالقتل والزنا بالمحارم ) التي يري فيها تلامذة فرويد مجالا مثيرا لاهتماماتهم . وإذا كانت أمثال هذه الأساطير تأخذ  مكانها في تاريخ سابق علي وضع المبادئ الأخلاقية ، فإنها ــ حسب المنهج السيكلوجي ــ تعبر عن جانب هام في النفس الإنسانية ، حيث يتجسد الكابوس  والحلم معا .

 

وتتمثل أهمية التحليل السيكلوجي للأساطير في أنه يردها للحياة ، ويصورها لنا معاصرة وجديدة ، علي الرغم من أنها تحمل طابعا خرافيا سحيقا .. من  لايعرف الآن "عقدة أوديب " أو "عقدة ألكترا " ؟ كما أنه يضفي عليها طابعا عالميا. فقد أصبحت تمثل "مواقف " محددة تماما للنفس الإنسانية .. مواقف  يمكن لأي إنسان معاصر أن يتقمصها ،ولأي فنان أن يشكل منها عملا فنيا ذا طابع إنساني عام.

 

وهكذا تعاونت المناهج الأربعة السابقة في إلقاء الضوء ، من جهات متعددة ،علي الأساطير الإغريقية ، التي ظلت لفترة طويلة جدا محاطة بالغموض والأسرار. وبإخضاع هذه الأساطير للدراسة والتحليل ، انفتح أمام المعاصرين باب جديد للاستفادة منها : إما عن طريق جعلها "نماذج " تعبرعن مواقف إنسانية عامة،  أو عن طريق استخراج ما يتناسب من عناصرها لاستخدامه في الأدب والفنون .

 

 

قائمة ببعض المصادر والمراجع :

أولا : بالعربية

· إمام عبد الفتاح إمام (د.)

معجم ديانات واساطير العالم القديم ، القاهرة

· أمل مبروك (د.)

الاسطورة والايديولوجيا ، القاهرة 2005

· حامد طاهر (د.)

منهج البحث بين التنظير والتطبيق ، م. نهضة مصر 2007

· كامبل (جوزيف)

سلطان الاسطورة ، ترجمة بدر الديب .القاهرة 2001

· ديرلاين (ف.ف.)

الحكاية الخرافية ، ترجمة د. نبيلة ابراهيم . بيروت 1973

· راسفين (ك.ك.)

الاسطورة ، ترجمة جعفر الحليلى . بيروت ــ باريس 1981

· فراس السواح

الاسطورة والمعنى والديانات المشرقية . دمشق 1997

· فريزر (جيمس)

الغصن الذهبى : دراسة فى السحر والدين

ترجمة د. احمد ابو زيد . القاهرة 1998

· مرسيا الياد

مظاهر الاسطورة ، ترجمة  نهاد خياط .دمشق 1991

ثانيا : بالفرنسية والانجليزية :

· Camus (albert)

Le mythe de sisyphe .Paris 1969

· Decharme

Mythologie greque

Paris 1886

· Foucart

Le culte des heros chez les greques

Paris 1918

· Frazer

Le Rameau d or

Traduit en francais par Toutain

Paris 1900

· Grimal

La methologie greque

Paris 1965

· Salomon

Cultes,mythes,et religion

Paris 1908

· Slote

Myth and symbol

Univ. of Nebraska press 1963

 

التعليقات (1)Add Comment
0
...
أرسلت بواسطة حنين, مارس 25, 2015
شكرا لكم على هذه المقالة القيمة..

أضف تعليق
تصغير | تكبير

busy
آخر تحديث الاثنين, 09 فبراير 2015 18:26