عداد الزائرين

mod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_counter

إضافات حديثة

   
 
تعليم اللغة العربية صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك
كتبها Administrator   
الأحد, 07 سبتمبر 2014 10:22

تعليم اللغة العربية

أ. د . حامد طاهر


المقصود هنا طبعا هى اللغة العربية الفصحى ، وليس اللهجة العامية ، لأن هذه اللهجة لا مشكلة على الاطلاق فى تعلمها ، حيث ينشأ الطفل وهو يسمعها ، ثم يحاكيها ، وحين يخطئ فىها يسرع من حوله لتصحيحها له . أما الفصحى فإنه يتلقاها فى المدرسة خلال مراحلها الثلاث ( الابتدائية والاعدادية والثانوية ) وهى تبلغ اثنتى عشرة سنة ، وواضح أنها فترة طويلة جدا ، لكنها مع الأسف لا تؤدى ــ فى نظامنا التعليمى ــ إلى اى تيجة عملية ، حيث يظل التلميذ معرضا للخطأ فى قراءة المكتوب بالفصحى ، وشبه عاجز تقريبا عن النطق الصحيح بها ، فضلا عن عدم قدرته على إنشاء نص نابع من نفسه فيها .


فإذا لجأنا للمقارنة مع لغة أجنبية كالإنجليزية مثلا ، وجدنا أن الشخص الذى يتجه لتعلمها لا ينفق كل هذا الوقت فى استيعابها ، والتفاهم أو التحدث بها . فما السبب فى ذلك ؟

ــ هل لأن اللغة الإنجليزية أسهل من اللغة العربية ؟

ــ أم أن أسلوب تعلم الإنجليزية أجود من أسلوب تعلم العربية ؟

ــ أم أن الرغبة فى تعلم الإنجليزية أقوى من الرغبة فى تعلم العربية ؟

ــ أم أن النتائج المترتبة على تعلم الإنجليزية أجدى من مثيلتها فى تعلم العربية؟


ولاشك أن الإجابة عن هذه الأسئلة الأربعة هى التى يمكنها أن تساعدنا فى التوصل إلى بعض الحلول التى تطرحها مشكلات تعلم العربية ، وهى مشكلات ينبغى أن يؤرقنا استمرارها على أساس أن اللغة العربية الفصحى هى لغة الدين الاسلامى والقرآن الكريم والسنة النبوية ، كما أنها لغة التراث العربى الممتد منذ أكثر من ألفى عام ، وأخيرا فهى اللغة التى مازال يتفاهم بها أكثر من مائتى مليون مواطن فى المنطقة العربية حتى اليوم ، من حيث هى لغة وسائل الاعلام ، وأهمها الصحافة ، كما أنها لغة المكاتبات الرسمية ، والمؤلفات العلمية ، والأدبية . بل إنها لغة المحاضرات الجامعية والعامة ، وتكاد تكون هى الوسيلة الوحيدة التى يخاطب بها الحكام شعوبهم فى المحافل السياسية .


وبالنسبة للسؤال الأول الذى يتعلق بصعوبة اللغة العربية الفصحى ، فإن الواقع يشهد بأن تلك الصعوبة تكاد توجد فى كل لغات العالم ، بل أن هناك من اللغات المشهورة ما هو أصعب بكثير من اللغة العربية ، ومن أمثلتها اللغة الروسية – التى أتيح لى تعلمها ، والعمل مترجما بها أثناء فترة تجنيدى فى الجيش المصرى – وهى للعلم تحتوى على أربعة عشر حالة إعراب ، وليس اربعا فقط كما فى العربية ، وهى تتطلب تغيير أواخر الكلمات ، كما أنها تكتب باليد غير ما تطبع فى الجرائد والكتب . أما الأصعب منها فهى اللغة الصينية التى هى عبارة عن بحر لا ساحل له ، أى لا يمكن لأى متحدث بها أن يلم بكل ألفاظها التى تتغير حسب مواقعها فى الجملة ، كما تتغير حروف كلماتها حسب معانيها المتعددة فضلا عن الشكل المركب لكل حرف على حدة . لكن مع ذلك ، أو على الرغم منه ، فإن كلا من الروس والصينيين يتعلمون لغتهم ببساطة ، ولا يشتكون من صعوبتها ، بل أننا نجدهم معتزيين بها كل الاعتزاز ، وحريصين على التمسك بها ، والتميز فيها .


صحيح أننا لابد أن نعترف بصعوبات اللغة العربية ، وفى مقدمتها ما يتعلق بطريقة كتابتها التى لا تتوافق تماما مع نطقها ، ثم ما يتصل بمعجمها ، وأقصد كثرة مترادفاتها التى يصعب أحيانا الاحاطة بها . ومنها ما يرتبط ببنية أفعالها التى لا تدخل أحيانا تحت قاعدة موحدة ،ولذلك ينبغى اللجوء فى ذلك إلى العرف السابق (القياس) . أما قواعد الجملة فيها ، والتى يختص بدراستها علم النحو ، فهى مجمعة فى بناء عقلى محكم ، لكنها تظل شديدة الصعوبة على المبتدئين فى تعلمها . ومن أهم الأسباب التى تنفر المتعلمين عموما من استيعاب علم النحو ، ما يحتوى عليه من التأويل المتعسف لتبرير بعض العبارات التى وردت فى اللغة غير خاضعة للقاعدة العامة . وبدلا من دعوة المتعلمين إلى ( حفظها ) دون مناقشة ، كما تفعل اللغة الروسية فإن النحاة يسعون فى شرحها وتفسرها وتأويلها كما قلنا ثم يفرضونها على التلاميذ فى مرحلة تعلمهم الأولى . وأخيرا فإن علم النحو يتم تقديمه للمتعلمين بنفس شكله ومنهجه ومصطلحاته التى كان يقدم بها منذ أكثر من ألف عام . ومن العجيب أن بعض أبواب النحو التى قلت أو انعدمت الحاجة إليها ( مثل أبواب الندبة والاستغاثة والاشتغال والتنازع .. ) مازالت قائمة حتى اليوم بين باقى القواعد ، دون إرجاء أو إزالة . ولنتأمل مثلا ( واو المعية ) التى تسبق المفعول معه ، ولا يوجد لها فى اللغة العربية كلها سوى مثال واحد ، وليس شاهدا ، هو ( سرت والنيل ) !


ويبدو أننا دخلنا الآن فى إجابة السؤال الثانى وهو أسلوب التعلم ، وأول ما يلاحظ هنا أن معلمى اللغة العربية الفصحى لا يتحدثون بها للتلاميذ ، وإنما يستخدم معظمهم ـ إن لم يكن جميعهم ـ اللهجة العامية . ومثل هذا العمل لا يحدث بتاتا فى تعلم وتعليم أى لغة أجنبية أخرى . وبذلك يفتقد المتعلم إلى جانب هام فى تعلم اللغة ، وهو السماع المباشر لحروفها وألفاظها وتركيب عباراتها . فإذا أضفنا إلى ذلك أن هذا المتعلم يبقى صامتا ، وهو يتلقى قواعدها النظرية من المعلم ، دون أن يضطر ـ ذات يوم ـ إلى محاولة التحدث باللغة الفصحى أو الكتابة بها ، وهذا ما يجعل فمه يظل مغلقا ، ولسانه جافا بالنسبة للغة التى يتعلمها . صحيح أنه يمكنه أن يمارس القراءة الصامتة بها ، وهى القراءة التى يتاح له فيها أن يخطئ كما يريد ، دون أن يصحح له أحد ، على عكس ما يجرى فى اللهجة العامية .


ومن أطرف ما شاع ــ فى هذا الصدد ــ بين الشباب العربى المعاصر نطقهم لعبارة ( فيه قوْلان ) أى أن هذا الموضوع يحتوى على رأيين مختلفين ، حيث حرفوا المثنى الساكن الواو إلى ( قوَلان ) بفتحها . ويقصدون بالقوَلان : الكلام الكثير . وهذا ناتج من عدم سماعهم العبارة الأولى تنطق أمامهم ، ولذلك اقتصروا على قراءتها ، ثم راحوا يرددونها بالنطق الجديد ، والطريف أيضا ، الذى اختاروه لها !


وقد أحس أجدادنا وأباؤنا بصعوبة النحو ، لذلك راحوا يكثرون من المطولات والمختصرات فيه ، بل إنهم وضعوه فى ألفيات ليسهل حفظه على المتعلمين . ولكن هيهات ! فالنحو العربى ـ فى ذاته ـ مثقل بقواعد لا لزوم لها ، وملئ بمصطلحات إعرابية تعسر على فهم أى متعلم ، ومن ذلك مثلا ( منصوب على نزع الخافض ) وهى عبارة لا يستوعبها إلا عتاة النحاة ، لكنها غير معقولة لدى سائر الناطقين بالعربية .


أما النحاة المحدثون والمعاصرون فمازالوا يضعون تصوراتهم وأحيانا تجاربهم فى مؤلفات تحاول عرض النحو العربى بصورة مبسطة . وقد شاع فى الثلاثينات كتاب ( النحو الوافى ) الذى تضمن بعض التمارين والكثير من الأمثلة ولكنه ظل صعب المنال على المبتدئين ، وصار اليوم أصعب مما كان عليه ، نتيجة ابتعاد الجيل الحالى عن قواعد اللغة العربية ، ونفورهم منها . وهناك من حاول اختصار علم النحو فأصدر كتابا مكونا من سبعمائة صفحة ، وعندما سألته : هل وضعت فيه الأسماء الخمسة ؟ أجاب بأنها ( ستة ) !! يعنى أنه وضع الاسم السادس الذى يخجل أى معلم محترم من نطقه ــ فضلا عن إعرابه ــ أمام التلاميذ ! وهنال أيضا من حاول وضع القواعد النحوية ، والصرفية فى جداول ، لكنه لم يخرج عن نظامها القديم الموجود فى النحو التقليدى الموروث عن الأجداد .


وإذا سألتنى عن أصل هذه المشكلة المزمنة هنا فإنها ترجع ـ فى رأيى المتواضع ـ إلى أن النحاة يعتقدون أن النحو هو المدخل لتعلم اللغة ، وليس العكس . والدليل على ذلك أن هذا النحو ــ بكل دقته وهيلمانه ــ لم يظهر فى حياة العرب سوى فى القرن الأول الهجرى ، بينما كان العرب قبل وضع علم النحو يتحدثون بالعربية الفصحى ، ويكتبون بها أقوى أشعارهم ، بل أن المشتغلين باللغة ظلوا مائة وخمسين عاما بعد الهجرة يذهبون إلى أعراب الصحارى الأميين ليأخذوا منهم اللغة العربية صافية ، قبل أن ( تتلوث ) بالعجمة !


وبالتالى فإذا أردنا منهجا جديدا لتعلم العربية الفصحى فعلينا أن نبدأ بانتخاب مجموعة من نصوصها المعاصرة أولا ، ثم التراثية ثانيا ، مع تحليتها ببعض القواعد البسيطة ، دون ذكر أى شواهد تختص بالضرورات أو العبارات الشاذة . وفى نفس الوقت الذى نعلم فيـــه المبتدئ كيف يكتب ، لابد أن نعلمه : كيف يقرأ بصوت مسموع ، حتى يتدرب على النطق الصحيح ، ونصحح له أخطاؤه أولا بأول .


هنا لابد من إعادة الاعتبار لحصة الإملاء وحصة القراءة فى جميع المدارس، مع ضرورة تقليل عدد تلاميذ تعلم اللغة فى الفصل الواحد ، بحيث لا يزيد ــ على أكثر تقدير ــ عن خمسة وعشرين تلميذا .


كذلك من الأمور المساعدة على تعلم اللغة العربية بصورة جيدة اختيار المعلم المؤهل لذلك ، فكلما كان جيد المظهر ، واسع الثقافة ، محببا للتلاميذ : زاد اقبالهم على تعلم اللغة ، واستساغتهم لصعوباتها وخاصة فى بداياتهم ، لأنهم حين يتذوقون جمالها سوف ينطلقون وحدهم فى مجالاتها ويقتحمون بدون خوف أو تردد آفاقها الواسعة .


لكننى أعود فأؤكد على أهمية النصوص المختارة لتعلم اللغة ، وأنها مازالت حتى الآن دون المستوى بمراحل ، والسبب فى ذلك أن الذين يقومون عليها وينتخبونها هم عادة من قدامى موظفى وزارة التعليم ، والذين يفتقدون فى أغلب الأحيان للذوق الأدبى الراقى الذى يوجههم لأفضل النصوص فى اللغة . لذلك فإننى أقترح هنا أن يسند هذا الأمر لكبار الأدباء المعاصرين لكى يختاروا عددا من أفصح وأوضح الكتاب ، ومن أبلغ وأكبر الشعراء حتى يتم الاختيار المباشر من نصوصهم . وإننى لأعجب كيف يترك قديما أمثال المتنبى وابن الرومى والبحترى وأبو تمام والمعرى والشريف الرضى .. وفى العصر الحديث : البارودى، وأحمد شوقى ، وحافظ ابراهيم ، والأخطل الصغير ، وايليا أبو ماضى ، وأبو القاسم الشابى ، ونزار قبانى ، والفيتورى وهاشم الرفاعى ــ ونأتى للتلاميذ (المساكين) بقصائد ماسخة لمدرسين أو موجهين ممن يقومون بأنفسهم وبحكم وظائفهم على اختيار نصوص القراءة !


وبالنسبة للنصوص النثرية ، لدينا من القديم : باقة مختارة من الآيات القرانية والأحاديث النبوية ، ومأثورات الصحابة كأبى بكر، وعلى ابن أبى طالب ، وكبار الكتاب من أمثال ابن المقفع ، والجاحظ ، والمحاسبى ، والغزالى . ومن العصر الحديث : الزيات، والرافعى ، وأحمد أمين ، وساطع الحصرى ، ومحمد الخضر حسين، والكتاب الصحفىين : مصطفى امين،و محمد حسنين هيكل ، وأنيس منصور .


أما السؤالان : الثالث والرابع : فهما متصلان ببعضهما لأن الرغبة الشديدة فى تعلم اللغة لا تكاد تنفصل عن النتائج المرجوة منها . ويكفى أن نشاهد مدى الاهتمام والتشجيع الذى تبذله الأسرة ، التى ترغب فى أن يتعلم ابنها أو ابنتها لغة أجنبية ، وكيف أنها تنفق على تعليمه بسخاء ، وتظهر له الفرح به إذا تقدم بخطى ولو بطيئة فى تعلم بعض الكلمات الأجنبية ، بينما أمثال هذه الأسرة ، ممن يتركون ابناءهم يتعلمون العربية لا يكادون يسألونهم عن تقدمهم أو حتى اخفاقهم فيها !


وبكل صراحة ، فإننى لا أقلل أبدا من الدافع الاقتصادى لتعلم اللغة . فالذى يتقن اللغة الإنجليزية تنتظره من الوظائف ما يؤهله لمكان رفيع المكانة فى المجتمع ، أما الذى يتقن اللغة العربية فلا مجال له إلا فى بعض الوظائف القليلة العائد والقيمة !


ومما يحزننى بحق أن بعض الطوائف التى ترتبط وظائفهم بإتقان اللغة العربية من أمثال القضاة والمحامين والإعلاميين بل والسياسيين لا يعطون للغة الفصحى ما تستحقه منهم ، بل ما يوجبه عليهم الأداء الجيد لوظائفهم التى تتطلب النطق بها بصورة صحيحة ، بل وبليغة أيضا . وإذا كان من الانصاف أن أنوه هنا بما تقوم به بعض القنوات الفضائية ( العربية ) من اختيار عدد من المذيعين والمذيعات الذين يتقنون تماما النطق بالعربية ، والمحاورة بها على مستوى عال ، وهذا ما دفع بعض القنوات فى الاعلام المصرى إلى أن تحاول مجاراتها ، ولكن هيهات !


ولقد سبق أن ذهبنا فى بحث سابق بعنوان ( اللغة والفكر ) ( دراسات عربيىةواسلامية ، جــ 42 ) إلى أن الطفل إنما يضطر إلى تعلم اللغة من أجـــل تحقيق مصالحه الحيوية كشرب الماء ، وتناول الطعام ، واللعب مع الأتراب .. وهذا الدافع ( المصلحى ) ينبغى أن يكون حاضرا فى أذهاننا ونحن نضع مقررات تعليم اللغة الفصحى ، بمعنى ألا يغيب عن بالنا أبدا محاولة تحقيق المصلحة لمن يتعلمها . وحسبنا ادعاءات بأن هذه اللغة هى ( اللغة الأم ) وهى ( لغة التراث ) وهى ( اللغة الجامعة لشمل الأمة العربية ) .. فإن كل ذلك لا يجدى نفعا للشخص الذى يتعلمها إذا لم يدرك جيدا أن هناك ( مصلحة ذاتية ) له فى تعلمها ، كأن يتولى وظيفة هامة ، أو يحصل على راتب محترم .


كذلك سبق لى أن كتبت بحثا عــن ( المنظومة المتكاملة للنهوض باللغة العربية ) ( دراسات عربية واسلامية ، جــ29 ) وفيه اقترحت ــ ومازلت أقترح ــ تأليف خمس أدوات ضرورية ، تكون فى أيدى متعلمى اللغة العربية ، وهى :

1 ـ قاموس عصرى لمعانى الكلمات .

2 ـ قاموس لتصريف الأفعال واسنادها للضمائر .

3 ـ قاموس للاستخدامات المتعددة للأدوات .

4 ـ كتاب مبسط لقواعد اللغة العربية .

5 ـ كتاب لطائفة مختارة بعناية من أجود نماذج النثر والشعر .

وها أنا أؤكد مرة أخرى أنه بدون هذه الأدوات الخمس ، التى ما زالت غائبة ، سوف يظل متعلم اللغة العربية ، وكذلك معلمها ، تائهين فى فضاء مؤلفات ضخمة ، لكنها لا تسمن ولا تغنى من جوع .


ويكفى هنا أن أشير بعتاب شديد إلى عدم نجاح مجامع اللغة العربية المنتشرة فى عالمنا العربى حتى اليوم فى اخراج قاموس عصرى لمعانى مفردات اللغة ، يكون على غرار القواميس المتعددة المستويات فى كل لغات العالم المعاصر . لكن تلك المجامع مع الأسف لا تقوم بهذا الدور الذى لا يمكن لاحد سواها أن يقوم به . وقد أصبح كل همها مقتصرا على مناقشة بعض المسائل الجدلية فى اللغة ، والتى يمكن استمرار الخلاف حولها إلى مالا نهاية !


أما أقسام اللغة العربية فى كل من الأزهر ، و دار العلوم ، وكليات الآداب ، والتربية فإنها لم تستطع أن تقدم هى الأخرى كتابا مبسطا واحدا يضم القواعد الأساسية للغة العربية ، على الرغم من عدد المحاضرات التى تقدمها للطلبة .


لكن هذا القاموس الضرورى ، وكتاب القواعد المبسطة يظلان بلا مردود عملى إذا لم نغير نظرتنا إلى أولية اكتساب اللغة . وأنا هنا أحذر من البدء بالقواعد وأدعو بشدة إلى تقديم النصوص والتعامل الجيد معها قراءة وفهما ومحاولة محاكاة ، بدلا من أن نثقل عقل التلميذ وذاكرته بتلك القواعد الجامدة ، والتى تتسم بالتجريد والتعقيد .


إن التلميذ الذى يقدم له مائة مثال لجملة تتضمن ( المبتدأ والخبر ) أو ( الفعل والفاعل ) أو ( الجار والمجرور ) سوف يجد نفسه منطلقا بعد ذلك فى رفع ما يستحق الرفع ، ونصب ما يجب فيه النصب ، وجر المجرور . ثم أن يحفظ التلميذ قوله تعالى ( سبع ليال وثمانية أيام ) ويضعها فى ذهنه أفضل ألف مرة من أن تقدم له قاعدة النحو العجيبة فى العدد التى تذكر معدود المؤنث المفرد ، وتؤنث معدود المذكر !!


إن التوقف للبدء بصورة صحيحة ، وعلى أساس منهج منتج أفضل كثيرا من السير العشوائى الذى مازلنا حريصين على التمسك به فــى تعليم اللغة العربية الفصحى . ولعلنا الآن فى غنى عن التعلل بصعوبة تلك اللغة فإن أبناءنا يتعلمون ما هو أصعب منها من اللغات الأجنبية . أذكر عندما كنت نائبا للتعليم والطلاب لجامعة القاهرة ، وجدت أن كلية الآداب تضم قسما للغة اليابانية وآدابها فى حين تخلو من قسم للغة الصينية التى يبلغ تعداد أهلها أكثر من مليار وثلاثمائة مليون نسمة ! وقد عملت ما أمكننى لإنشاء هذا القسم بالتعاون مع المستشار التعليمى فى سفارة الصين الذى تفضلت سفارته فزودت الكلية بمعمل أصوات ، كما انتدبت اثنين من المدرسين من الصين . وقد أدهشنى بحق حين قمت مع السفير الصينى بزيارة ابنائنا وبناتنا فى قسم اللغة الصينية ، ووجدناهم قد انطلقوا فى إجادة ابجدية اللغة ، والاستخدام المبسط لها ، كما قدموا لنا عرضا من رسوماتهم الصينية الجميلة . وأتوقع أن هذا القسم الذى مر على إنشائه الآن عدة سنوات قد تخرجت منه اعداد تنتظرها وظائف هامة ، أقلها وظيفة مترجم للغة الصينية فى وزارة الخارجية المصرية .


وهذا ما يجعلنى متفائلا ، فما دام الجيل الجديد قادرا على تعلم اللغات الأجنبية الأكثر صعوبة ، فإنه سوف يكون قادرا على تعلم لغته العربية الفصحى ، خاصة وأن لدينا وعدا إلهيا بأن الله تعالى سيحفظها بحفظ كتابه الكريم الذى أنزله بها { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } صدق الله العظيم

 

ـــــــــــــــــــــــــــــ

التعليقات (3)Add Comment
0
...
أرسلت بواسطة رامي عبد القصود, سبتمبر 08, 2014
شكرا لحضرتك هذا المقال الذي أقل مايوصف به أنه,رائع
0
...
أرسلت بواسطة حنين, ديسمبر 01, 2014
مقال مميز واقعي
وراائع
0
...
أرسلت بواسطة سامر دياب, ديسمبر 26, 2018
اشكرك على مقالتك المميزة وارجوا أبناء الوطن العربي يتكلمون دوما بالفصحى مع الأجانب فحسب بل مع ابناءامتهم ايضا.

أضف تعليق
تصغير | تكبير

busy
آخر تحديث الجمعة, 20 سبتمبر 2019 15:35