عداد الزائرين

mod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_counter

إضافات حديثة

   
 
المشكلات والأزمات فى مصر المعاصرة صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك
كتبها Administrator   
الأربعاء, 01 يناير 2014 22:21

 

المشكلات والأزمات فى مصر المعاصرة

ومنهج الحل

أ . د . حامد طاهر


حين ذهبت للبحث فى معاجم اللغة العربية القديمة ، ومجاميع المصطلحات العربية المتخصصة ، لم أعثر على معنى أو تفسير أو حتى ذكر لكلمتى ( مشكلة وأزمة ) . أما المعجم الوسيط ، الذى وضعه أربعة من خيرة علماء مجمع اللغة العربية ، سنة 1960 ، فقد ذكر (المشكلة) وفسرها بالضيق والشدة ، وهما بعض آثارها النفسية على الانسان ، لكنه أغفل أيضا كلمة (أزمة) ، فهل يعنى ذلك أن أسلافنا العرب ، ومعظم المحدثين لم يعرفوا المشكلات والأزمات ، وبالتالى أغفلوها أو أسقطوها من تعريفاتهم ؟ أم أن مضمون المشكلة والأزمة كان موجودا تحت أسماء أخرى ؟ عموما هذه مسألة تستحق البحث فى إطار التاريخ الإسلامى ، الذى كان يركز كتّابه على متابعة أخبار الحكام ، وأعمالهم ، وحروبهم ، ولم يعط اهتماما كافيا للمجتمعات فى مشكلاتها ومعاناتها !


وبالرجوع إلى قاموس Robert التحليلى للغة الفرنسية نجد أن أصل كلمة مشكلة Proble`me يرجع إلى اللغة اللاتينية ، وأنها دخلت اللغة الفرنسية سنة 1382 ، أى قرب نهاية القرن الرابع عشر الميلادى المقابل للقرن الثامن الهجرى . ولها فى الفرنسية معنيان رئيسيان ، الأول : أنها مسألة تحتاج إلى حل ، وتتطلب مناقشة فى مجال العلم ، أو الفلسفة أو الأخلاق أو الميتافيزيقا . والمعنى الثانى : أنها صعوبة ينبغى حلها من أجل التوصل إلى قرار ، ومن ذلك المشكلة التكنولوجية ، ومشكلة المرور .. الخ .


والواقع أن هذا المعنى الثانى هو الذى يهمنا هنا ، لأنه الذى يتصل مباشرة بواقع حياتنا اليومية ، التى تمتلئ بالعديد من الصعوبات التى تتطلب حلولا ، تنتهى بقرارات يمكن تنفيذها لإزالة الصعوبات التى تعترض حياة المواطنين (الفرد والأسرة) فى المجتمع المصرى المعاصر .


أما بالنسبة إلى (الأزمة) فقد دخلت الكلمة اللغة الفرنسية سنة 1503 وأصلها لاتينى أيضا ، يرجع إلى القرن الرابع عشر . وهى تعنى عدة معان مختلفة ، شاع الكثير منها فى الحياة المعاصرة ، ومنها : الظهور الحاد والمفاجئ لفساد فى أحد أعضاء الانسان مثل أزمة الزائدة الدودية ، الأزمة القلبية .. ومنها : الفترة الحاسمة والمتوترة فى تطور الأمور داخل المجتمع ، مثل أزمة مالية ، أو اقتصادية .. ومنها أيضا : الفترة الصعبة والمتوترة التى تفصل بين استقالة حكومة والتعثر فى تشكيلها من جديد ، وهى التى يطلق عليها أزمة وزارية .


هذا فى المفهوم الغربى الحديث ، أما فى مصر ، فإن الأزمة تعنى مشكلة مزمنة أو مستعصية على الحل نتيجة تعقد عناصرها ، واتساع مساحة خطورتها بين أكبر عدد من أفراد المجتمع .


ويتبين الفارق بين المشكلة والأزمة فى أن المشكلة عبارة عن عقبة عارضة ، يمكن أن نجد لها حلا سريعا ، إما فرديا أو مجتمعيا ، وتكون فى العادة بسيطة وغير مركبة . أما الأزمة فهى المشكلة بعد أن تتضخم ويمر على وجودها زمن طويل ، وتستتبع معها وحولها مجموعة متشابكة من المشكلات الأخرى ، ولا يمكن لفرد واحد أن يحلها بقرار ، ولكنها تتطلب من المجتمع كله ضرورة التعاون والتصميم على إزالتها ، أو على الأقل : الحد من خطورتها وتداعياتها .


فإذا حاولنا استعراض أهم المشكلات التى تعانى منها مصر المعاصرة ، أمكننا أن نشير فى مقدمتها إلى العشر التالية :

1 ــ مشكلة السكن .

2 ــ مشكلة انقطاع الكهرباء .

3 ــ مشكلة انقطاع وتلوث المياه .

4 ــ مشكلة التلوث الغذائى .

5 ــ مشكلة القمامة .

6 ــ مشكلة المرور والمواصلات .

7 ــ مشكلة الترهل الحكومى .

8 ــ مشكلة الدعم .

9 ــ مشكلة غياب الرؤية السياسية .

10 ــ مشكلة غياب الرؤية الاقتصادية .


أما المشكلات التى تفاقمت ، وتحولت بسبب الإهمال واللامبالاة إلى أزمات ، فهى الخمس التالية :

1 ــ أزمة البطالة .

2 ــ أزمة العنوسة .

3 ــ أزمة التعليم .

4 ــ أزمة الصحة .

5 ــ أزمة الأمية .


ولا يكاد يوجد بلد فى العالم إلا وقد مر بمشكلات وأزمات مماثلة ، ولعلها أشد من ذلك. لكن الذى يميز بلدا عن آخر ، أو مجموعة بلاد عن أخرى هو القدرة على حل مشكلاتها، وتجاوز أزماتها ، من خلال تحديدها ، ثم تصنيفها إلى الأهم فالمهم فالأقل أهمية تبعا لتأثيرها فى حياة الناس ، وأخيرا تحليل المشكلة أو الأزمة إلى عناصرها الأولية، والقيام بعد ذلك بوضع الحلول المناسبة أولا لكل عنصر على حدة ، ثم لها كلها فى مجموعها .


والواقـع أننا أمـام حل المشــكلات والأزمــات أمـام أحد منهجين ، أولا : المنهج العقلى – الجدلى ، الذى يقوم بالتأمل والتحليل والتعليل والمقارنة ، ثم ابداء الحلول المقترحة ، التى لا يمكن حسمها بسهولة لأنها تظل عرضة للجدل الذى قد يطول ، ومقارعة الحجة بالحجة التى لا تنتهى . والغالب هنا فى معيار الصواب والخطأ أن الأقوى حجة ، أو الأكثر تنظيما للبراهين ، أو الأنصع بيانا وبلاغة ، هو الذى يفوز فى المناقشة ، وذلك فضلا عن الأعلى صوتا ، أو الأكثر جمهورا ، أو الأدهى فى التعامل بالشعارات البراقة . ثانيا: المنهج التجريبى ، الذى يعكف على جمع أكبر قدر ممكن من الملاحظات أى المعلومات حول المشكلة أو الأزمة منذ نشأتها ، وخلال تطورها ، وانتهاء بالمخاطر المترتبة عليها ، وأعداد المتضررين منها . ثم يقوم المنهج بطرح حل مقترح للمشكلة أو الأزمة . وهذا الحل يكون فى العادة عقليا ، لكنه لا يكتفى بكونه كذلك ، وإنما عليه أن يجتاز التجربة على نموذج مصغر داخل المعمل ، أو التجربة الحية فى الهواء الطلق إذا كانت الظروف تسمح بذلك . وحين تثبت صحة الحل المقترح من خلال احدى التجربتين ( المعملية أو المباشرة ) يتم صياغته فى عبارة موجزة وواضحة ، ليصبح قانونا عاما ، يصلح لحل أى مشكلة أو أزمة مماثلة فى أى مكان فى العالم .


وهكذا يلاحظ أن المنهج التجريبى يبدأ محليا ليتحول بعد ذلك إلى عالمى ، أى يمكن تطبيقه فى كل زمان ومكان ، بخلاف المنهج العقلى الجدلى الذى لا يكاد يخرج أبدا عن نطاق المحلية . وهذا يعنى أن المشكلة أو الأزمة لدى مجتمع معين يمكن أن يستعان على حلها بالمنهج التجريبى الذى حل به مجتمع آخر - ولو فى آقصى مكان فى العالم – المشكلة أو الأزمة المماثلة التى تعرض لها . وبالتالى فإن التعاون العلمى ينبغى أن يكون هو الإطار الذى تتبادل فيه المجتمعات تجاربها وخبراتها بدلا من أن يبدأ كل واحد منها من الصفر .


والمقرر هنا أن الفارق بين مجموعة الدول المتقدمة ومجموعة الدول المتخلفة أو النامية إنما يكمن فى اتباع المنهج التجريبى أو فى عدم الأخذ به . فالمنهج التجريبى يحسم الحكم بصواب الحلول المقترحة من خلال الاحتكام إلى التجربة . ومن مزايا التجربة أنها ليست فردية ، ولا شخصية ، ولا متحيزة ، بخلاف المنهج العقلى الذى يتعرض لكل هذه العيوب أو بعضها ، ولذلك يظل حكمه على الأمور محل خلاف واختلاف وتنازع مستمر ، وهو ما يضيع على المجتمعات التى تأخذ به الكثير من الوقت كما يبدد جهود أبنائه فى مناقشات لا طائل من ورائها .


ولمزيد من بيان ذلك ، نعطى مثالا من مشكلة الدعم فى مصر : هل يكون عينيا أم نقديا ؟ أى هل تقوم الحكومة بتسليم المواطن الفقير ، أو محدود الدخل كما يقال ، متطلباته الأساسية من الخبز والوقود يدا بيد ، أم تعطيه المبلغ الذى يوازى أثمانهما نقدا ؟ إن الحوار مازال مستمرا فى مصر حول هذين الحلين على أعلى مستوى ، ومع ذلك فإن الدولة تأخذ بحل ثالث ، حيث أنها تدعم المتطلبات الضرورية كالخبز والوقود من المنبع ، بحيث تحافظ على أسعارهما منخفضة للجميع ، وبذلك يتساوى فى الإفادة من الدعم كل من الأغنياء والفقراء !


حل المشكلة بالمنهج العقلى :

يمكن أن يظل النقاش والأخذ والرد مستمرا حول الحلول المطروحة لمشكلة الدعم وهى :

1 ــ هل يبقى الحال على ما هو عليه ، من دعم عدة مفردات من المنبع ، وعدم حرمان أى مواطن ، سواء كان غنيا أو فقيرا ، من الاستفادة منها ؟

2 ــ هل تخصص الدولة الدعم بصورة عينية لمن يستحقه فقط ؟ وكيف يمكن التوزيع ؟ بل كيف يمكن تحديد الفقراء المستحقين بالفعل ؟

3 ــ هل تخصص الدولة الدعم بصورة مالية لكل من يحتاج إليه ، وتترك له حرية شراء السلع بسعرها غير المدعم ؟


ولا شك أن كل واحد من هذه الحلول له أنصاره المتحمسون للغاية ، وكل منهم يبذل أقصى ما فى وسعه لتقديم الحجج والبراهين العقلية التى تثبت صحة رأيه . ومع ذلك فإنه لا يعدم أيضا من يعارضه بشدة ، ومن يقدم أيضا حججه وبراهينه لإثبات عكس ما يذهب إليه . وهذا هو الوضع الذى يحيط بمشكلة الدعم التى لم تستطع أى حكومة فى مصر حتى اليوم أن تجد لها حلا يريح المواطنين من ناحية ، ويوفر للدولة ملايين الجنيهات التى تخصصها لدعم السلع الضرورية من ناحية أخرى .


حل المشكلة بالمنهج التجريبى :

هنا يمكن اختيار واحد من الحلول الثلاثة المذكورة ، ثم القيام بتجربته فى محافظة واحدة لفترة محدودة ، للوقوف على ما إذا حقق النتائج المرجوة لكل من المواطنين الفقراء، والدولة . والمسألة هنا لا تتعلق بمناقشات عقلية ، أو جدل عقيم ، وإنما برؤية النتائج الملموسة على أرض الواقع . وحين تنجح التجربة فى محافظة واحدة يتم تعميمها على سائر محافظات الدولة . وهذا هو الفارق الأساسى الذى يميز المنهج التجريبى عن المنهج العقلى.


إن المنهج التجريبى هو الذى يجعل من الواقع : الأرضية التى يقوم عليها أساس الصواب والخطأ فى الآراء الفردية . ولهذا فإن عدم الأخذ به هو الذى يؤدى إلى مختلف ضروب الفوضى فى وجهات النظر الخاصة والشخصية التى تبعد المجتمع عن تحقيق أهدافه الحقيقية فى التقدم ، وتتركه ضحية النقاش والجدل العقيم ، وكلاهما يختلط بالنزاع والتخاصم ، نتيجة إعجاب كل انسان برأيه ، وإحساسه بالمهانة إذا أثبت خصمه عكس ما يراه . وعلى الرغم من أننا جميعا نرفع شعار " اختلاف الرأى لا يفسد للود قضية " فإن الواقع يكذب هذا الشعار ، ولا يكاد يوجد له أثر فى حياتنا .


ومن الواضح أن المنهج العقلى أسهل بكثير من المنهج التجريبى ، نظرا لأنه لا يتطلب أكثر من أن يجلس مجموعة من الأشخاص فى حجرة مريحة ، ثم يروح كل منهم ليدلى برأيه حسب ما يتصور عقله أنه الصواب ، أو الأصوب . أما المنهج التجريبى فهو يفرض على الباحثين أن يخرجوا إلى الطبيعة ، وإلى الناس فى المجتمع ، وخاصة الذين يعانون من المشكلة أو الأزمة لكى يتعرفوا بكل دقة على مظاهرها ومخاطرها ، ثم يسجلوا ذلك كله فى قوائم متجاورة ، وهذه هى المرحلة الأولى من المنهج . أما المرحلة الثانية فتتطلب إبداعا من العقل الإنسانى . والابداع هنا يتمثل فى طرح فرض ، أى فكرة يمكن تطبيقها فى الواقع لحل المشكلة أو الأزمة . وهذه الفكرة لا تنشأ من فراغ ، بل إنها تنبثق من تأمل كل المعطيات التى تم جمعها عن المشكلة أو الأزمة . ثم إن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد ، بل إن الباحثين يتقدمون لإثبات صواب أو خطأ هذه الفكرة المبتكرة عن طريق التجربة المباشرة فى الهواء الطلق إذا سمحت الظروف بذلك ، أو عن طريق نموذج مصغر يجرى العمل عليه فى المعمل ، كما سبق القول .


وقد يحدث فى أحيان كثيرة أن هذه الفكرة لا تصلح لتفسير الظاهرة أو حل المشكلة ، ولذلك يقوم الباحثون والمبدعون والمبتكرون بالبحث عن فكرة أخرى ، أى حل آخر ، وربما استمروا فى ذلك عشرات المرات ، حتى يعثروا على الحل المناسب ، والأمثل لتفسير الظاهرة أو حل المشكلة . وعندئذ يتم وضعه فى صيغة قانون علمى ، يصلح للتطبيق كما قلنا على أمثال هذه الظاهرة أو المشكلة فى كل زمان ومكان ، أى أنه لا يصلح فقط للمكان الذى أنتجه ، وإنما يصبح جزءا من تراث الإنسانية كلها .


وإننى أتوقف هنا لأسأل وأتساءل : متى أدخلت مصر هذا المنهج فى مقررات التعليم لأبنائها ؟ إن الأمر لا يكاد يرجع إلا إلى النصف الثانى من القرن العشرين ، أى أن وجوده فى مصر لدى تلاميذ المرحلة الثانوية ، وطلبة الجامعات لا يزيد حتى الآن عن ستين عاما ، بينما يرجع تعليم هذا المنهج فى أوروبا إلى أكثر من مائتى عام . وهذا هو ما أتاح لهم هناك بناء المساكن بصورة صحيحة ، وشق الطرق ورصفها ، وتنظيم المرور داخل المدن ، وإقامة الكبارى والأنفاق ، ودقة وسائل الاتصال ، وتحديث العمل الحكومى ، والطفرة الهائلة فى كل من الزراعة والصناعة ، ثم الدخول بنجاح فى الثورة الالكترونية ، والانتقال حاليا إلى استخدام مواد جديدة بواسطة النانوتكنولوجى.


ولا يقتصر المنهج التجريبى على حل مشكلات الواقع وأزماته ، بل إنه يمتد ليشمل تنظيم حياة المجتمع من أجل اسعاد كل فرد فيه ، ومن ذلك تفضيل الرأسمالية على الإشتراكية فى المجال الاقتصادى ، والديمقراطية على حكم الفرد أو الطائفة فى المجال السياسى ، مع محاولة إصلاح ما يظهر فى كل منهما من عيوب أولا بأول . فعندما تتوحش الرأسمالية تنهض نقابات العمال لإيقافها عند حدها ، وتتدخل الحكومة للفصل بين المتنازعين . أما فى مجال الحكم فلم يعد يسمح لفرد ولا لجماعة أن تستبد به ، بل لابد أن يخضع بصفة دورية لانتخابات الشعب ، الذى يقرر وحده تغيير الأحوال ، واختيار الأفضل . ومن المعروف أن كل ذلك لم يحدث اعتباطا أو صدفة ، بل إن وراءه تاريخا طويلا من التجربة ، ومعاناة نتائج الصواب والخطأ ، والأهم من ذلك كله : الالتحام المباشر بين الفكر والواقع .


أما نحن فى مصر ، فمازلنا نحاول اقرار الانتخابات البرلمانية على اساس فردى أو بالقائمة ؟ وكأننا لم نجرب من قبل أيا من الحلين ، لكى نفضل الحل الذى ينفع المواطنين منهما . وهذا يؤكد أننا قد محونا من أذهاننا الذاكرة العلمية التى يوفرها لنا المنهج التجريبى ، وهى التى تبين أن النتائج غير الصحيحة التى قد نتوصل إليها من خلال هذا المنهج تظل ماثلة أمام أعيننا حتى لا نعيد تجربتها مرة أخرى ، وبذلك نوفر الكثير من الوقت والجهد ، وننطلق مباشرة إلى الحل الصحيح من أقرب الطرق وأكثرها اختصارا .


والمهم الآن : كيف نرسخ قواعد المنهج التجريبى فى حياتنا ؟ تستطيع الأسرة المثقفة به أن تدرب أبناءها على استخدامه حتى فى مجال اللعب . وتستطيع المدرسة أن تخرج تلاميذها من الفصول الضيقة إلى فضاء الطبيعة الرحب لكى يجمعوا الملاحظات ، ويرصدوا الظواهر ، ويقفوا بأنفسهم على خطورة المشكلات والأزمات . وتستطيع الجامعة أن تشجع طلابها لكى يستخدموه حسب امكانياتهم فى حل مشكلات صغيرة ، حتى يتعودوا على اقتحام المشكلات الكبرى بعد تخرجهم . كذلك تستطيع وسائل الاعلام أن نؤكد عليه فى مقالات الصحف ، وفى البرامج العلمية بدلا مما يسمى بالبرامج الحوارية .. أى برامج الكلام الذى لا نهاية له !


إن المشكلات ، والتى تبدأ صغيرة ثم ترسخ وتتضخم حتى تتحول إلى أزمات ، لا يوجد لها حل سحرى ، وإنما المفروض مواجهتها بالمنهج التجريبى . والملاحظ أنه على الرغم من نجاح استخدام هذا المنهج فى كل بلاد العالم المتقدم ، فإن البلاد المتخلفة مازالت بعيدة عن تطبيقه ، فضلا عن معرفته واستيعابه وجعله جزءا لا يتجزأ من نسيج فكرها الذى تواجه به المشكلات ، وتسعى به لتحقيق أفضل مستوى للحياة فى المجتمع .


والسؤال الآن : ما الذى يمنع أو يعوق أو يؤخر استخدام الدول المتخلفة أو النامية للمنهج التجريبى فى حل مشكلاتها وأزماتها ؟ هناك أربعة عوامل رئيسية ، أولها : الجهل بحقيقة هذا المنهج ، وبالدور الذى قام به فى تقدم البحث العلمى على مستوى العالم كله . وثانيها : غلبة سلطان المنهج العقلى – الجدلى على العلماء والمثقفين فى تلك الدول ، لأنه أكثر راحة ، وتمشيا مع الكسل واللامبالاة ، وثالثها : أن المنهج التجريبى عدو للعسف ، والاستبداد ، وكبت الحريات ، لانه يفتح الباب واسعا للحصول على المعلومات ، ويعتمد بالكامل على الشفافية ، وهذه كلها من سمات المجتمعات المتخلفة التى تسيطر عليها أنظمة حكم مسبدة . وأخيرا فإن المنهج التجريبى كما نجح فى التحرر من قيود العزلة ، والجمود ، والانغلاق الفكرى فإنه يقوم بدور هام فى إشاعة الحرية الفكرية ، والتواصل مع كل علماء العالم ، ولا يرفض أى فكرة صحيحة حتى ولو جاءت من بلد مختلف سياسيا وأيديولوجيا .


 

التعليقات (0)Add Comment

أضف تعليق
تصغير | تكبير

busy
آخر تحديث الخميس, 09 يناير 2014 22:33