عداد الزائرين

mod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_counter

إضافات حديثة

   
 
الغائب فى ثقافة المصريين صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك
كتبها Administrator   
الاثنين, 29 أبريل 2013 10:28

الغائب فى ثقافة المصريين

 

 

ا.د. حامد طاهر


اود فى البداية ان اؤكد على ان المصريين فى عمومهم يمتلكون ثقافة مركزة لكنها مطمورة ، تراكمت طبقاتها على مدى الاف السنين، وانهم خلال هذه الحقبة التاريخية الطويلة قد استوعبوا تجارب عصور مختلفة ، تمثلت فى العصور: الفرعونية والقبطية والاسلامية ، كما انهم اضطروا للتعامل مع العديد من المستعمرين والفاتحين (الهكسوس والفرس ، الاغريق والرومان ، العرب والاتراك ، ثم الفرنسيين والانجليز ) .


ومن المقرر ان كل هذا الخليط المتنوع من العصور والشعوب كان له تاثيره فى ثقافة الشعب المصري ، التى يمكن ان احدد خصائصها فيما يلى :

1 ــ الاستمرار والتماسك بمعنى انها ثقافة لم تنمح او تنقطع حلقاتها عبر التاريخ

2 ــ التنوع والتناقض بعنى انها تضم عناصر مختلفة وقد تكون احيانا متناقضة

3 ــ البساطة والوسطية بمعنى انها لم تتخذ موقفا حادا فى اتجاه واحد


اما الذى غطى ــ وما يزال ــ على هذه الثقافة فيرجع الى سببين اولهما عدم ظهور مفكرين كبار يبلورونها للشعب المصرى ثم للعالم كله ، وقد تبين لى ذلك عندما حاولت تاليف كتاب عن الفلسفة المصرية فلم اعثر على فيلسوف مصرى واحد ، ولذلك اتجهت الى استخلاص عناصر هذه الفلسفة من الامثال الشعبية .


اما السبب الثانى فيتمثل فى ضعف التعليم او انعدامه ، وكل منهما انتهى الى ان يدخل الشعب المصري القرن الحادى والعشرين بنسبة 40% من الامية واكبر منها فى الريف ، كذلك فان نوعية التعليم التى قدمت للشعب المصرى حتى اليوم لا تضاهى ابدا ما يقدم للشعوب المتقدمة فى العالم .


ان مشكلة التعليم المصرى من المشكلات المزمنة ، وهى ايضا من المسكوت عنها ، بل اننى اكاد اقول انها من المرضى عن استمرارها فى كل العهود ! والدليل على ذلك انه منذ قيام على مبارك بتحديث شكل التعليم فى مصر على غرار ما راه فى فرنسا خلال القرن التاسع عشر ، فان مناهج التعليم ومقرراته واهدافه لم تتقد م بنفس المعدلات التى تقدم بها التعليم فى البلاد المتقدمة . والعجيب اننا عندما نقول ذلك يغضب التربويون المصريون ويؤكدون بان لدىنا استرتيجيات وخططا ومناهج وحاسبات ..


لكن السؤال هو : ماذا يقدم هذا التعليم للوطن ؟ وبماذا ينفع الافراد ؟ وهل يوصلهم الى غاية ابعد من الحصول على وظيفة حكومية ؟ ثم اين العقول المتميزة (العباقرة) التى اخرجها هذا التعليم على مدى قرنين من الزمان ؟ ان عبقريا واحدا يمكنه ان يختصر على وطنه عشرات بل مئات السنين من الجهد الشاق والعمل المضنى ، وذلك حين يخترع او يكتشف شيئا او اسلوبا جديدا فى العمل والانتاج .


اننى لا اتحدث هنا عن التعليم الا باعتباره الارضية التى تترسخ فيها اعمدة الثقافة ويرتفع عليها بناؤها . واذا كان التعليم يخص عددا من افراد الشعب ، فان الثقافة تعم كل افراده . وصدق المثل اليابانى الذى يقول : ان الثقافة تبدا بعد ان تنتهى المدرسة . وهذا يعنى بالضرورة الا يكون هنا ك تعارض او تناقض بين المعارف المدرسية وبين الثقافة العامة ، بل ان هذه الاخيرة لا بد ان تستمد حقائقها من الاولى ، لكننا مازلنا نجد التلميذ المصرى يتلقى فى المدرسة بعض الحقائق ، وحين يعود الى البيت يجده غارقا فى الخرافات والمعتقدات الشعبية التى تتعارض مع تلك الحقائق ، لذلك يصبح على هذا التلميذ المسكين ان يجمع فى عقله بين الحقيقة والخرافة حتى يستطيع ان يتاقلم فى البيئة التى يعيش فيها .


لكن ما الذى يتيح للخرافات والمعتقدات الشعبية ان تعشش وتستمر فى الثقافة ؟


غياب المعرفة العلمية الصحيحة ، وشيوع الجهل مع التعود عليه ، ومن خلفهما يبرز سبب ثا لث وهو عدم توافر القواميس ودوائر المعارف ( الموسوعات ) .. وهذا ما اريد ان اركز عليه فى هذا المقال .


القاموس هو الكتاب الجامع لمعانى الكلمات واستخداماتها فى اللغة. فكل كلمة تتطلب بيان معناها الاصلى ثم معانيها الفرعية واخيرا معانيها المجازية التى قد تستخدم فيها . فكلمة ( الاكل ) تعنى فى الاصل تناول الطعام، لكنها قد تعنى ايضا قراءة كتاب او مقال وفهمه بسرعة ، كما قد تعنى التفوق على المتحاورىن فى مناظرة او مناقشة . وهذا كله فى اللغة العربية المعاصرة التى نستخدمها بالفعل ، وهو المنشود من القاموس الذى ندعو لوضعه ، ولا سيما بعد ان استنفدت القواميس العربية القديمة اغراضها ولم تعد صالحة فى مجملها للانسان المعاصر.


اننا نريد قاموسا عربيا عصريا ــ على غرار سائر القواميس العصرية فى العالم ــ يعكس واقع اللغة العربية المعاصرة ، ويستطيع اى انسان بسيط يبحث فيه عن معنى كلمة او استخداماتها ان يجدها بسهولة .


ولاشك ان للقاموس فوائد كثيرة ، ومنها ما يتعلق مباشرة بالثقافة ، كما ان منها ما يتصل بتذويب الفورق بين افراد المجتمع الواحد وطوائفه،فهو يجعلنا:

1ــ نعرف جيدا ما نتكلم به ، وعنه .

2ــ نتساوى جميعا فى فهم ما نتكلم به، فيستبعد الغموض وسوء الفهم .

3ــ نقلل وجهات النظر الشخصية ، ونرتقى باسلوب الحوار .

4ــ نعود النشئ على دقة التعبير مما يساهم فى تحديد الافكار .


اما دائرة المعارف او الموسوعة فهى مؤلف جامع، تحتوى مجلداتها على معلومات صحيحة ومدققة حول مختلف موضوعات المعرفة الانسانية . وهى اما موسوعات عامة وشاملة ، واما موسوعات متخصصة فى مجال معين .


وتعد دائرة المعارف البريطانية من افضل الماذج للموسوعة الشاملة ، وقدانشئت سنة 1768 وصدر منها حتى الان 32 مجلدا تحتوي على نصف مليون مقالة، مصاغة باقلام متخصصين فى شتى المجالات وموضحة با لصور. وفى هذا العام 2013 قرر القائمون على اصدارها تحويلها من ورقية الى الكترونية للتسهيل على مستخدميها مع الاستمرار فى تحسينها .


ومن اشهر دوائر المعارف الالكترونية ، والتى بدات كذلك: موسوعة ويكيبيديا التى انشاها الامريكيان جيمى ويلز ولارى سنجر فى 15 يناير 2001 وهى مفتوحة لمن يشاء من القراء فى مختلف بلاد العالم لكى يضيف اليها اىمادة بشرط ان تكون موثقة المعلومات .


والموسوعة متاحة على شبكة الانترنت باكثر من 280 لغة ، منها العربية ، لكن الامر المحزن بحق ان نسبة استخدامها باللغة الانجليزية تبلغ 57 % والاسبانية 17 % بينما نسبة مستخدمى اللغة العربية 1 % .


ان مزايا دوائر المعارف كثيرة ومتنوعة ، ومنها على سبيل الاختصار:

1 ــ تقديم معلومات صحيحة لمن يرغب فى المعرفة بدون الحاجة الى معلم .

2ــ اسعاف الباحث بمعلومات اولية فى موضوع بحثه ليمكنه بعد ذلك التوسع فيها

3ــ التاكد من المعلوما ت الاولية بدلا من التعرض للمعلومات الشفوية والمضللة

4ــ التشجيع على استثارة الافكار وتكوين الاراء انطلاقا من اساسيات المعرفة

5ــ الارتقاء بالمستوى الثقافى لمن يتعود على استخدامها


وهكذا فان كلا من القاموس اللغوى ودائرة المعارف ــ اللتين ما تزالان غائبتين من حياة الانسان المصرى ــ تمثل اساسا ضروريا لاقامة بنيان ثقافى قوى ومكين . وسوف يخرج علينا من يقول : ان لدينا قواميس كثيرة ودوائر معارف متعددة ، لكننى اجيب بانها ضعيفة وهزيلة وقد تجاوزها الزمن . اما القواميس فهى قديمة وتحتوى على كلمات توقف استعمالها كما ان استخدامها يتطلب معرفة عميقة بعلم الصرف حتى يمكن تجريد الكلمة من زوائدها ! واما دوائر المعارف العربية فقد انشاها افراد ــ وليس مؤسسات تتابع اصدارها ــ ولذلك فانها قد توقفت بوفاتهم عن الاستمرار .


ان ما اطمح وادعو له بشدة من اجل نهضة الثقافة المصرية هو وضع قاموس عصرى للغة العربية المعاصرة ، بحيث يضاهى القواميس الانجليزية والفرنسية والالما نية والصينية الحالية ، وكذلك وضع دائرة معارف عامة تكون على غرار الموسوعة البريطانية ، وعند تعذر ذلك فاننى اطا لب بترجمتها كما وردت فى طبعتها الخامسة عشرة الى اللغة العربية .


وبالطبع لا يمكن الاستفادة من القاموس العصرى والموسوعة الشاملة بدون معرفة القراءة والكتابة ، اى بمحو الامية التى ما زال الشعب المصري يعانى منها وخاصة لدى المراة فى الريف . وسوف يظل من المهم جدا تحفيز الافراد منذ الطفولة على القراءة ، وتنمية حب الاطلاع ، واستثارة الفضول العلمى لمعرفة الظواهر المحيطة بهم ، والتى ما يزال الكثير منها غامضا عليهم .


اخيرا فان روافد الثقافة لا تقتصر فقط على القراءة ، وانما تتسع وتتنوع لتشمل السماع من العلماء والمفكرين ، والمشاهدات ، والرحلات ، والاحتكاك مع ثقافات الشعوب الاخرى ، كذلك فان التجارب الشخصية التى يمر بها الانسان تزوده بثقافة من نوع خاص ، وعموما فان الانسان الذى ينقضى يومه دون ان يضيف شيئا جديدا الى ثقافته عليه ان يثق من انه .. يوم ضائع !

ـــــــــــــــــــــــــــ

 

التعليقات (0)Add Comment

أضف تعليق
تصغير | تكبير

busy
آخر تحديث الاثنين, 29 أبريل 2013 12:12