ملحمة الميدان
[إلى شباب ثورة 25 يناير . .
تَسجيلٌ شعريّ لبعضِ ما حدَث فيها..]
كان الميدانْ
منبسطًا كالخدِّ الأملس, والأركانْ
ترصُدها الشرطة في شِبه اطمئنانْ
أكشاكٌ وجرائد فوق الأرْصِفة
وسيَّارات رائحة غادية
ووجوه مرهقة , ودخانْ
لا شيء يُعكِّر صفوَ الأمن
سوى معتوهٍ يخطُب بجوار المتحف
قال الضابطُ للجندىّ :
« اترُكْه يخرّف حتى يُسقطه الهذيانْ ! »
* *
كان الميدانْ
تتوقَّف أحيانًا فيه الأنفاس عن الخَفَقانْ
وتجاهَ حوائطه يصطفُّ جنود الأمن ،
بخوذات مِن مختلف الألوانْ
ويمرُّ الموكبُ منسابًا كالثُّعبانْ !
نحو المجلس ؛ كي يُلقي قائدُه المغوار خطابًا ،
يَتناثر فيه البُهتانْ
وتتابعه الأعناق الممتدة ، والآذانْ ! !
* *
كان الميدانْ
لا يدري أن الأرض الساكنة ستهتزّ ،
وأنَّ الحوضَ الفارغ سوف يَفيض بماء الطوفانْ !
فتيات ، وشباب مِن عشَّاق الإنترنت ،
ومن أعماق العشوائيات . .
اجتمعوا . . ذابوا . . اندمجوا . .
هتفوا للوطن المخطوف ، ونادَوْا بالتغييرْ
صرختُهم طارتْ في كلِّ مكانْ
دهمتهم قوات الأمن المثقلة بأسلحة التنكيل ،
الخالية مِن الإيمانْ !
دهَستْهم ، ألقت فوق رؤوسهم الماءَ المغليّ ،
وراحت تمطرهم بقنابل ، وهَراواتْ !
سقط القَتْلى ، والجرحى . .
لكن الجمع تماسك أقوى ممَّا كانْ !
صمَدوا . . ناموا فوقَ الأسفلت ،
وغطَّوْا أنفسهم بصقيع يناير ،
ظلَّ هتافهم الصارخ يدوي في الأركانْ
* *
في هذا الميدان
كانتْ موقعة مِن أغرب ما شهدتْ مصر . .
على مرِّ الأزمانْ !
خَيل ، وجِمال ، وسيوف بدويهْ !
تَخترق الكُتلَ البشريهْ
جاءتْ كي تطفئ نورَ الحريهْ
لكن الصوت الهادر لم يخمد ،
بل زاد الغليانْ
* *
وتوالتْ معركة الأحجارْ
كالأمطارْ
تقذفها أذرعة المرتزقهْ
لتعود إصاباتٍ في العينين ، وفي الرأس ،
وفي الوجدانْ !
لكن الثوار اتحدَّوْا . .
صمدوا . . صدوا العدوانْ
* *
وأخيرًا جاءَ القناصة مِن فوق الأسطح ،
فاختاروا أن يَجتثّوا . .
أفضل ما زَرعَتْ مصرُ من الشبانْ !
سقطوا برصاص مأجور ، وجبانْ
ورَوى دمُهم أرضَ الميدانْ
ميدان الفارق بين الحق وبين الطغيانْ
* *
لكن اللحظة ما لبثتْ أنْ حانت ،
واحتشدت في الأُفق سحابات القدَر الهتّانْ
سقط الطاغية مِن القصر ، المشدود البنيانْ
لم يسقطْه زلزالٌ أو برْكانْ . .
أسقطه الصوتُ الهادرُ مِن أعماق الشبانْ
أسقطه الميدانْ !
|