مِيلادُ أربعِ قِطط
[كُتبت في يوليه 1966 ، أي قبل نكسة 1967 بحوالي عام ، وكانت مصر مثقلةً بالشِّعارات الجوفاء ، والوضع الاقتصادي والاجتماعي الخانق ..]
الليلُ يسقط فوقَ شارعنا القديمْ
والعائدون إلى منازلهم .. معاطف مثقلاتْ
حملت مِن المطر الكثير ، وأوحلت أطرافها المتمزقاتْ
وخلا الطريقْ ..
لا شيء غير الصَّمت ، يقطعه رذاذ الماء من وقتٍ لآخرْ !
وكما تهز الريحُ شُبَّاكي ، فيعوي من تماسكه العتيقْ
ماءت هنالك خلف صندوق القمامة .. قطةٌ عجفاءْ
وتمرَّغت في الوحل ، وانتفضت من الأنواءْ
وامتدَّ في وجه السماء تمزُّقُ البرق المضيء
أسلاكَ نارٍ تخطف البَصَرا ..
وتشعُّ تحت سناه عينا القطة السوداءْ
نظراتُها المترنحات ، وصوتُها المتقطعُ .
وعلى القمامة أربعُ ..
عمياءُ .. تبحث في صقيع الليلة الحمقاء عن ثدي دَفِئْ ..
وتسوخ في الأوحال ، ثم تعود تنكفئُ ..
صَرخاتها المتلهفات تذوب في وقع المياه ..
« عودي بنا أمَّاهْ ! ! »
« عودي بنا أمَّاهْ .. »
* *
الليلُ يمضي مُثقَلَ الخطوات ، معصوبَ الجبين.
والفجر مرتعش ، يحاول أن يبين ولا يبين
والقطة العجفاء ذاهبة تفتش عن لُقَيْمه !
« رَبَّاه .. كل الدرب أوحال ، ولا ظل لشيء ! »
« والناس ما زالوا نيامًا ، والقمامة موحله »
« حتى القمامة .. موحله ! »
وجرت مبعثرةً ، تسائل كل زاويةٍ وركن
وتقلِّب الأحجار لاهثةً ، وتعدو شارده
« الجوعُ يَفري ، والنهار..
« سيجيء بالأطفال يعتصرون أمعاء الصغارْ..
« ولكم تفسَّخ تحت عينيها .. صغارْ ! »
* *
عادت وقد طلع الصباحُ ، وشقَّت الشمسُ الضَّبابْ
لترى الصِّغار على القمامة ، والرصيف مبعثرينْ
الوحلُ في الأفواه مَحشوٌّ ، وفوق رؤوسهم متكوِّمُ
وعلى محاجِرهم دمُ ..
وتحسَّست أجسادهم ، فبَكتْ ، وماءتْ ، وانثنت
للشارع المسدودِِ .. تَعبره ، وتسمع في مداهْ
صوتًا يدافعها صداهْ ..
« عودي بنا أُمَّاهْ .. » .
عودي بنا أُمَّاهْ .. » .
* * *
|