عداد الزائرين

mod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_counter

إضافات حديثة

   
 
جاك بريفير صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك
كتبها د . حامد طاهر   
الأحد, 04 يوليو 2010 22:30

 

جاك بريفير : شاعر المليون نسخة


( نشر هذا المقال فى مجلة البيان الكويتية فبراير 1980

والقصائد المعروضة قمت بترجمتها لاول مرة من الفرنسية

الى العربية وبخاصة قصيدة : لكى ترسم صورة لطائر التى

سطا عليها مع الاسف احد النقاد ونسبها لنفسه دون ان يشير

الى ترجمتى لها .. )

 






الممثل الفرنسى ايف مونتان مع الشاعر جاك برييفير



فى يناير 1980 أعلنت دار جاليمار ، كبرى دور النشر الفرنسية ، أن مبيعاتها من ديوان "Paroles" للشاعر جاك بريفير قد تجاوز المليون نسخة .


والواقع أنه إذا كان فيكتور هيجو هو الذى استحق لقب شاعر الشعب الفرنسى كله ، فى القرن التاسع عشر ، فإن جاك بريفير هو الذى يستحق هذا اللقب فى القرن العشرين . فهو بحق الشاعر الذى تلحّن قصائده بكثرة ، ويؤديها كبار المطربين والممثلين (مثل ايف مونتان) ، وهو الشاعر الذى لا يكاد يوجد تلميذ فرنسى دون أن يحفظ عدد من قصائده .. وأخيرا فهو الشاعر الذى نجح فى أن يقيم علاقة حميمة بين اللغة والحياة .. أهم ما فى بريفير أنه ترك اللغة الصعبة لشعراء الأناقة والتعقيد ، واختار لغة الحياة اليومية ليكتب بها قصائده غاية فى البساطة ، ولكنها مليئة بالشاعرية :


ولدت فى الشتاء
فى احدى ليالى فبراير
قبل ذلك بعدة شهور
وفى قلب الربيع
اشتعلت بين أبى وأمى صواريخ ،
وألعاب نارية
كانت تلك شمس الحياة
وأنا .. كنت فى الداخل
لقد سكبا الدم فى جسدى
وكانت تلك خمر المنبع ..
**


كان أبى يقول لى :
أمك .. إنها جنية
لهذا كنت أرتعد من الخوف ، عندما تقرأ لى فى المساء
بعض الحكايات ،
ثم توغل فى التاريخ ، مثل الجنيات التى تحكى عنها
**


فقد أبى وظيفته
لم يتمسك بها كثيرا
وكذلك هى .. لم تتمسك به أكثر .
**


عرفت الحركة التى تبقينى على قيد الحياة :
أهز الرأس ، لكى أقول : لا
أهز الرأس لكى أمنع أفكار الآخرين من الدخول فيه
أهز الرأس لكى أقول : لا
وأبتسم لكى أقول : نعم
للكائنات والأشياء .. لما أنظر إليه ،
ولما أربت عليه ،
ولما أحبه .
(
من ديوان Paroles  )



بدأت حياة جاك بريفير فى 4 فبراير 1900 ، وانتهت فى 11 إبريل 1977 . وقد خصصها صاحبها أساسا لغرضين : كتابة الشعر ، وكتابة السيناريو ، بالإضافة إلى كتابة بعض النصوص المسرحية القصيرة التى كانت تؤديها فى الثلاثينات والأربعينات جماعة من الشبان عرفت باسم "جماعة اكتوبر" .


أما فى ما يتعلق باختيار مهنة العمل فى المجال السينمائى ، فيقول بريفير فى احدى مذكراته القصيرة ، تحت عنوان "السينما" :


(
لقد كتبت للسينما متأخرا جدا .. منذ وقت طويل ، كنت أبحث عن مهنة . لقد بحثت لأنه لم يكن أمامى شئ آخر أفعله ، ولذلك كان يجب أن أبحث عن شئ . السينما .. أعجبتنى وكنت أحبها . واذن فقد اشتغلت بالسينما ، وهذا يعنى أننى رحت أكتب لها السيناريو . ثم بعد ذلك كتبت أشياء أخرى . وهكذا أصبح لى مهنة . مهنة ! ) .


اتصل بريفير فى مطلع شبابه بالحركة السريالية ، لكنه ما لبث أن هجرها على إثر اعلان أندريه بريتون ، زعيم الحركة ، أن احدى التمثيليات الهزلية التى كتبها بريفير رديئة ! ومع ذلك فقد ظلت الروح السريالية تسرى فى اعماله . فلنقرأ معا نموذجا من تلك المقطوعات ، وهى عبارة عن حوار يجرى فى أحد المطاعم بين الجارسون وأحد الزبائن . وهى بعنوان "الحساب" :


الزبون : جرسون ! الحساب !
الجرسون : حـــاضر ( يخرج قلما ومذكرة صغيرة ) عندك .. بيضتان مسلوقتان ، وشريحة لحم ، وبسلة ، وجبن ، وبيرة ، وكوب نعناع أخضر ، وقهوة ، ومكالمة تلفونية .


الزبون : والسجائر أيضا
الجرسون : ( يبدأ بالحساب )  نعم ، هو هذا .. السجائر .. وإذن فالمجموع ..
الزبون :  لا ترهق نفسك يا صاحبى ، فلن تنجح قط .  
الجرسون : !!!
الزبون : ألم يعلموك فى المدرسة أنه يستحيل جمع أشياء من أجناس مختلفة ؟!
الجرسون : !!!!


الزبون : ( بصوت عالى ) ومع ذلك ، فمن أى شئ تجب السخرية ؟ هل يجب أن نكون فعلا حمقى لكى "نجمع" شريحة لحم مع السجائر ، والسجائر مع القهوة مع النعناع مع البيض المسلوق مع البسلة .

 

والبسلة مع التليفون .. لماذا لا نجمع أيضا البسلة مع ضابط حاصل على وسام الشرف ، وليكن أنت (ينهض ) لا يا صاحبى .. صدقنى فى أنك لم تصل من كل هذا إلى شئ .. هل تفهم .. لا شئ .. لا شئ حتى البقشيش ! ( ثم يخرج حاملا معه مفرش مائدة الطعام )


(
من ديوان Histoires )



أما القصيدة الشعرية بمعنى الكلمة ، فهى ما يمكن أن نقدم لها بالنموذج التالى من ديوان Paroles وهى بعنوان "شئون عائلية" :


الأم تشتغل بالتريكو
والابن بالحرب
الأم تجد ذلك طبيعيا
والأب ، ماذا بفعل الأب ؟
إنه يشتغل بالأعمال الحرة
زوجته تشتغل بالتريكو
وابنه بالحرب
وهو بالأعمال الحرة
إنه الأب ، يجد ذلك طبيعيا
فماذا يجد الأبن ؟
الأبن ، لا يجد شيئا على الإطلاق
الأبن ، أمه تشتغل بالتريكو ، وأبوه بالأعمال الحرة ، وهو بالحرب
عندما تنتهى الحرب ،
فإنه سوف يشتغل ، مع أبيه ، بالأعمال الحرة
الحرب تستمر ، الأم تشتغل بالتريكو
الأب يستمر فى الاشتغال بالأعمال الحرة
الأبن يقتل .. لم يعد يوجد
الأب والأم يذهبان إلى المقابر
إنهما يجدان ذلك طبيعيا : الأب والأم
الحياة تستمر ، الحياة مع التريكو والحرب والأعمال الحرة
الأعمال الحرة ، الحرب ، التريكو ، الحرب
الأعمال الحرة ، الأعمال الحرة ، الأعمال الحرة
الحياة مع المقابر



يقول بعض النقاد الأوربيين أن بريفير يتلاعب كثيرا بالكلمات . والمقصود طبعا ظاهرة التكرار المقيد أحيانا والمتحرر التى يمكن ملاحظتها بسهولة فى القصيدة السابقة . لكن لنا أن نتساءل : وبماذا ينبغى أن يلعب الشاعر ؟ أليست اللغة ، كما يقول د. محمود الربيعى ، هى ( أداء الشاعر الأول ، وربما الوحيدة ) . ومع ذلك ، فإن هذه اللغة نفسها هى سر النجاح الساحق الذى حققه بريفير . يقول الكاتب الفرنسى هنرى فرانسواريي : لماذا كان بريفير شاعرا شعبيا كبيرا ؟ بفضل لغة على درجة مذهلة من البساطة والصرامة فى نفس الوقت . إن الريشة التى يرسم بها الشعور أو الفكرة غاية فى الدقة وأهم ما فيها أنها تحدد فواصل ما ترسمه ضاغطة بقوة على ما هو أساسى .. وهكذا فإن الصرامة هى المفتاح الذى يفسر عمل بريفير الشعرى الذى يبدو للقارئ أنه نموذج رائع للسهولة .


شئ هام فى حياة بريفير : أنه عندما جنّد فى الجيش الفرنسى ، لم يكن يبدو أنه جندى منتظم (ويبدو أن تلك طبيعة لدى كل الشعراء تقريبا ! ) لذلك فقد أرسلوه ضمن جيش الاحتلال إلى سوريا سنة 1921 . وفى نفس العام رحل إلى تركيا ، حيث تعرف فى القسطنطينية على صديق عمره مرسيل ديهاميل : رحلة إلى الشرق كان لها بالتأكيد أثرها على روح الشاعر ، وعلى الرغم من أن دارسيه لم يؤكدوا عليها كثيرا ، فإنها فى انتظار من يلقى عليها بعض الضوء .. لاشك فى أن اشتغال بريفير فى المجال السينمائى قد أثر كثيرا على طريقة استخدامه للغة . فمعجمه الشعرى ملئ بالصور المحسوسة ، وحتى عندما يستخدم المعنويات ( الصدق ، العدالة ، الحرية ..الخ ) فإنه سرعان ما يدخلها فى بناء شعرى محسوس . الحيوانات ، وخاصة الطيور ، هى الموضوع المفضل لدى بريفير من خلاله استطاع أن يكتب عدد من أجمل قصائده .

 

وفيما يلى ترجمة لقصيدة فى هذا المجال بعنوان "Raton laveur " أى "الفأر الغاسل" وهو نوع من الفئران ، يعيش فى أمريكا ، ويقال أنه لا يأكل شئ قبل أن يغسله بالماء:


لقد تأخر تعارفى عليك
ورغم أننى تحدثت عنك كثيرا
فقد كان ينبغى أن أراك لحما وعظما
***


لم أر قط فأر غاسلا
وكذلك هو .. لم يرنق قط
***


إنه حيوان مكون من نفس وجسم
لا .. ذلك هو أنا
لقد أخطأت التعريف
بينما أنا حيوان سام
لهذا يبدو أن رؤيتى لا تسبب له أية متعة
وكم يؤسفنى ذلك !
***


لقد سموك فأرا غاسلا
يبدو أنك تغسل كل ما تأكله
ربما كانت هذه خرافة تروى عنك
لكننى مع ذلك جئت أحييك
أنا .. الذى لم أرك قط
الآن ، أنظر إليك
وأنت .. لا تنظر إلى
أنت على حق
ما أهميتى بالنسبة إليك
أنا كائن انسانى
أنت .. فأر
هناك فرق
لأى شئ خلقنا : أنا وأنت ؟
قل لى فى أى شئ تفكر أيها الفأر
تفكر فى الاقفاص ، وفى أشياء أخرى كثيرة
ما رأيك فى حرب فيتنام ، أيها الفأر المحبوس فى قفص ؟
ما رأيك فى كل السجون .. أنت يا من أسموك الفأر الغاسل ؟
حسنا .. إننى أحييك
أنا الذى لم أرك قط .. وأراك الآن
مخظئا أو على حق
يبدو أنك غير سعيد
إنك تبحث عن الحرية
أنت تعرف ما هى ، لكنك لا تمتلك الكلمات لكى تشرحها
أما الناس .. فيشرحونها ،
ويحبسونها !!



وهكذا ينتقل بريفير ببراعة من الخاص إلى العام ، ودون أى يقع فى (الخطابية الشعرية) ، فإنه يستخدم (التعبير بالصورة) ، ويعالج المعانى المجردة ، وأحيانا الأفكار الفلسفية من خلال الحكايات البسيطة ، والتجارب اليومية ، والمشاهدات المألوفة ..


لكن يبقى بعد ذلك كله ، أن أجمل ما كتبه بريفير يتمثل فى قصيدته الشهيرة "لكى ترسم صورة لطائر" .. وهى من الأعمـال التى يمكن قرأتها ، من النـاحية النقدية على أكثر من مستوى : رمزى ، بنائى ، فلسفى .. الخ أما من الناحية الأدبية الخالصة ، فإنها تقدم نموذجا حيا على مستوى الشفافية التى يمكن أن يبلغها العمل الشعرى ، وخاصة عندما يتوافر له الفنان الأصيل ، وتسعفه تلك اللمسة السماوية التى نسميها الألهام ، وفيما يلى ترجمة للقصيدة :

 

 

 

ارسم أولا قفصا


بباب مفتوح
ثم ارسم
شيئا جميلا
شيئا بسيطا
شيئا حسنا
شيئا مفيدا
من أجل الطائر
ثم اسند اللوحة إلى شجرة
فى حديقة
فى بستان
فى غاية
واختبئ خلف الشجرة
دون أن تنبس ببنت شفة
دون أن تتحرك
أحيانا يأتى الطائر بسرعة
لكن يمكن أيضا أن تمر السنوات طوال
دون أن يجئ
لا تيأس
انتظر
انتظر ، إذا لزم الأمر ، عدة سنوات
فإن سرعة مجئ الطائر أو بطأه
لا علاقة لهما
بنجاح اللوحة
***


عندما يأتى الطائر
إذا أتى
راقب بصمت عميق للغاية
وانتظر دخوله فى القفص
وعندما يدخل
اغلق الباب خلفه بهدوء
ثم
امسح واحدا واحدا من أعمدة القفص
مراعيا ألا تمس أية ريشة فى الطائر
ارسم بعد ذلك صورة الشجرة
مختارا أجمل أغصانها
من أجل الطائر
ارسم أيضا خضرة الأوراق وطزاجة الريح
وأشعة الشمس
ودبيب هوام العشب فى حرارة الصيف
ثم انتظر : كى يغنى الطائر
إذا لم يغن
فتلك علامة سيئة
علامة على أن اللوحة رديئة
لكن إذا غنى ، فتلك علامة طيبة
علامة على أنه بامكانك أن توقع بإمضائك
***


عندئذ .. انزع بكل هدوء
احدى ريشات الطائر
واكتب بها اسمك .. فى ركن من اللوحة

مع تحيات د . حامد طاهر

التعليقات (0)Add Comment

أضف تعليق
تصغير | تكبير

busy
آخر تحديث الجمعة, 15 نوفمبر 2019 14:40