كتبها Administrator
|
السبت, 28 مارس 2020 17:22 |
هدية لأهل السينما
فى روايته البديعة (حديث عيسى بن هشام أو فترة من الزمن) لمحمد المويلحى ، وهى من أوليات الروايات المصرية فى العصر الحديث ، يتخيل الكاتب قيام أحد الأشخاص من القبور ، هو ناظر الجهادية التابع والصديق لأفندينا إبراهيم باشا ابن محمد على ، ومصاحبته لراوى الحكاية عيسى بن هشام ، لكى يتجولا معاً فى أحياء القاهرة . وبالطبع تحدث العديد من المفارقات المضحكة جداً ، لأن الرجل الذى بعث من الموت سوف يعيش فى عصر آخر ، لا يعرف الكثير من إجراءاته ومصطلحاته وأسلوب الحياة الجديدة فيه . ومما يزيد المواقف سخرية أن الرجل كان يتبوأ منصباً مهماً جداً فى عصره ، لكنه يفاجأ بأن الناس لا تعرفه إلا بشخصه فقط ، ولذلك سوف نجده يلقى فى الحجز بقسم الشرطة ، وينال الكثير من الاستهزاء والسخرية بسبب عنطزته التى يعامل بها المسئولين ، وكأنهم مرؤوسون له كما كان أمثالهم فى الماضى . لقد قرأت هذه الرواية أكثر من مرة ، وبالتحديد ثلاث مرات . مرة فى الصبا ، ثم فى فترة الشباب . . وأخيراً فى الوقت الحاضر . وكلما قرأتها أو أعدت قراءتها أجدها تزداد روعة ، وتتألق كل عناصر الجمال فيها كعمل أدبى ، لا يقتصر فقط على المحلية ، وإنما يرقى بكل جدارة إلى مستوى العالمية . تعجبت كثيراً من اهمال هذه الرواية المتميزة من جانب السينما والتلفزيون عندنا ، أو حتى فى البلاد العربية ! وكيف أن كاتب سيناريو مصرياً أو عربياً لم يتنبه إلى قيمة هذا العمل الرائد ؟ ولماذا لم تقع عليه عين مخرج مصرى متميز لكى يقدمه للناس فى صورة دراما تستجيب لأذواق الناس فى هذا العصر ، بعد أن تضاءلت نسبة القراءة بين الناس ، وخطفت (الصورة المتحركة) اهتمام الجماهير والمثقفين معاً ؟ إن أروع ما فى (حديث عيسى بن هشام) أنه يضع الإنسان أمام حقيقة الموت التى يتساوى عندها الجميع ، والتى لا تعرف منصباً ولا جاهاً ، وإنما تواجه الإنسان، كائناً ما كان ، بحقيقته الخالصة من دون أى تزويق أو تجميل أو أقنعة . كذلك فإن الرواية تؤكد على نسبية الحقيقة التى قد تختلف من عصر إلى عصر آخر ، وبالتالى فإن على الإنسان أن يعيش عصره ، وأن يتعامل معه بأسلوبه ، بدلاً من أن يظل هائماً فى الماضى ، غارقاً فى خيالاته . وليس معنى هذا أن حقائق الماضى تكون كلها خاطئة ، بل إنها فقط قد لا تكون كلها صحيحة ، تماماً كما أن العصر الحاضر يحتوى على الصواب والخطأ . ثم تبقى دائماً روعة الكاتب الذى ملأ روايته بالمواقف الساخرة التى تحتوى على متناقضات الحياة اليومية الجارية . وهذه سوف تظل على الدوام نبعاً لا ينضب لكل الأعمال الفنية والأدبية العظيمة ، التى تتحدى الإهمال أو النسيان . رحم الله المويلحى ، وهدى أهل السينما عندنا لكى يفكروا فى تجسيد رائعته المصرية (حديث عيسى بن هشام ، أو فترة من الزمن).
هدية لأهل السينما
فى روايته البديعة (حديث عيسى بن هشام أو فترة من الزمن) لمحمد المويلحى ، وهى من أوليات الروايات المصرية فى العصر الحديث ، يتخيل الكاتب قيام أحد الأشخاص من القبور ، هو ناظر الجهادية التابع والصديق لأفندينا إبراهيم باشا ابن محمد على ، ومصاحبته لراوى الحكاية عيسى بن هشام ، لكى يتجولا معاً فى أحياء القاهرة . وبالطبع تحدث العديد من المفارقات المضحكة جداً ، لأن الرجل الذى بعث من الموت سوف يعيش فى عصر آخر ، لا يعرف الكثير من إجراءاته ومصطلحاته وأسلوب الحياة الجديدة فيه . ومما يزيد المواقف سخرية أن الرجل كان يتبوأ منصباً مهماً جداً فى عصره ، لكنه يفاجأ بأن الناس لا تعرفه إلا بشخصه فقط ، ولذلك سوف نجده يلقى فى الحجز بقسم الشرطة ، وينال الكثير من الاستهزاء والسخرية بسبب عنطزته التى يعامل بها المسئولين ، وكأنهم مرؤوسون له كما كان أمثالهم فى الماضى . لقد قرأت هذه الرواية أكثر من مرة ، وبالتحديد ثلاث مرات . مرة فى الصبا ، ثم فى فترة الشباب . . وأخيراً فى الوقت الحاضر . وكلما قرأتها أو أعدت قراءتها أجدها تزداد روعة ، وتتألق كل عناصر الجمال فيها كعمل أدبى ، لا يقتصر فقط على المحلية ، وإنما يرقى بكل جدارة إلى مستوى العالمية . تعجبت كثيراً من اهمال هذه الرواية المتميزة من جانب السينما والتلفزيون عندنا ، أو حتى فى البلاد العربية ! وكيف أن كاتب سيناريو مصرياً أو عربياً لم يتنبه إلى قيمة هذا العمل الرائد ؟ ولماذا لم تقع عليه عين مخرج مصرى متميز لكى يقدمه للناس فى صورة دراما تستجيب لأذواق الناس فى هذا العصر ، بعد أن تضاءلت نسبة القراءة بين الناس ، وخطفت (الصورة المتحركة) اهتمام الجماهير والمثقفين معاً ؟ إن أروع ما فى (حديث عيسى بن هشام) أنه يضع الإنسان أمام حقيقة الموت التى يتساوى عندها الجميع ، والتى لا تعرف منصباً ولا جاهاً ، وإنما تواجه الإنسان، كائناً ما كان ، بحقيقته الخالصة من دون أى تزويق أو تجميل أو أقنعة . كذلك فإن الرواية تؤكد على نسبية الحقيقة التى قد تختلف من عصر إلى عصر آخر ، وبالتالى فإن على الإنسان أن يعيش عصره ، وأن يتعامل معه بأسلوبه ، بدلاً من أن يظل هائماً فى الماضى ، غارقاً فى خيالاته . وليس معنى هذا أن حقائق الماضى تكون كلها خاطئة ، بل إنها فقط قد لا تكون كلها صحيحة ، تماماً كما أن العصر الحاضر يحتوى على الصواب والخطأ . ثم تبقى دائماً روعة الكاتب الذى ملأ روايته بالمواقف الساخرة التى تحتوى على متناقضات الحياة اليومية الجارية . وهذه سوف تظل على الدوام نبعاً لا ينضب لكل الأعمال الفنية والأدبية العظيمة ، التى تتحدى الإهمال أو النسيان . رحم الله المويلحى ، وهدى أهل السينما عندنا لكى يفكروا فى تجسيد رائعته المصرية (حديث عيسى بن هشام ، أو فترة من الزمن).
|