كتبها Administrator
|
الجمعة, 28 فبراير 2020 16:32 |
القرية المنتجة
يغيظنى جداً أن يطلب أهل المدينة من القرية أن تكون منتجة ، وهم أنفسهم لا ينتجون ، بل ويقصدون أحياناً أن يأتى إليهم إنتاج القرية وهم نائمون ، وفى كل الأحوال فإنهم يريدون أن يجعلوا القرية تكفى نفسها بنفسها كما كانت (أيام زمان) ! والواقع أن هذه (الأيام زمان) لم تعد موجودة ، كما أنها لن توجد فى المستقبل ، نظراً للتطورات التى لحقت بالإنسان فى كل من المدينة والقرية على السواء، ليس فقط عندنا ، بل فى كل أنحاء العالم . والذى يريد أن يتأكد من ذلك عليه أن يقوم بحسبة بسيطة بين عدد المتعلمين فى أى قرية مصرية منذ عشرين أو ثلاثين سنة وبينهم الآن ، وحسبة أخرى بين عدد المنازل التى بُنيت بالطوب الحجرى والمنازل ذات الطوب اللبن (النىّ) ، وحسبة ثالثة بين عدد منازل القرية التى كانت تشرب من (الطرمبة) والتى تشرب الآن مباشرة من الحنفيات ، ثم أخيراً عدد أجهزة الراديو والتليفزيون والفيديو التى انتشرت فى القرية ، وحلت محل (السامر) الذى لم يكن يظهر بها إلا فى أيام معدودة ، ومناسبات قليلة جداً طوال العام .
صحيح أن كل بيت فى القرية كان لديه الفرن الذى يخبز فيه ، والبقرة التى تدر اللبن ، فتخرج منه الزبدة والسمن والجبن ، ومجموعة الطيور التى تربى فى الحوش كالأوز والبط والدجاج والحمام، التى يستخلص منها اللحم الأبيض ، فإذا أضيف إلى ذلك بعض الخضر والفواكه التى تأتى من الحقول لم يعد هناك ما يدفع ابن القرية إلى شراء شئ من المدينة ، اللهم إلا ملابسه ، وأدوات عمله .
لكن سنة التطوير التى شملت كل المجالات ، لم تستثن القرية ، التى أدخلت البوتاجاز والثلاجة والتليفزيون وكل وسائل التقدم الحضارى الحديثة ، وهذه (الأجهزة) غيرت من بعض العادات التقاليد التى عرفتها القرية المصرية منذ آلاف السنين ، وأدخلتها بقوة إلى قلب العصر الحديث، بل إن أساليب الزراعة القديمة قد بدأت تحل محلها أساليب جديدة، فمثلاً غمر الأرض بالماء ثبت أنه أقل فائدة من ريها بالرش أو التنقيط ، وزراعة محاصيل معينة ظهر أنها تدر ربحاً أكثر من محاصيل أخرى لم يكن يعرف غيرها الفلاح .
لقد تغير كل ذلك ، والوحيدة التى يبدو أنها لم تتغير هى نظرة أهل المدينة للقرية المصرية . فهم يريدونها أن تظل على حالها كما كانت بالأمس القريب ، بل والأمس البعيد ! لذلك فإننى أقول لهؤلاء : أن القرية المصرية كانت منتجة فى الماضى ، وما زالت منتجة فى شكلها الجديد . والدليل على ذلك أنك إذا تجولت فى الريف المصرى كله لن تجد شبراً من الأرض القابلة للزراعة غير مزروع ! والدليل على ذلك أيضاً أن الإنتاج الزراعى يتزايد باستمرار ، وقد شهدنا ما حدث لمحصول الأرز هذا العام. فقد زاد الإنتاج عما تتطلبه حاجة البلاد . وتمثلت المشكلة فى كيفية التصدير ، وهذا من صميم اختصاص أهل المدينة ؛ فماذا فعلوا ؟
تحية للقرية المصرية التى تنتج فى صمت ، وتحية للفلاح المصرى الذى ما زالت تغطى ريشته العبقرية أرض مصر السوداء . . باللون الأخضر !
القرية المنتجة
يغيظنى جداً أن يطلب أهل المدينة من القرية أن تكون منتجة ، وهم أنفسهم لا ينتجون ، بل ويقصدون أحياناً أن يأتى إليهم إنتاج القرية وهم نائمون ، وفى كل الأحوال فإنهم يريدون أن يجعلوا القرية تكفى نفسها بنفسها كما كانت (أيام زمان) ! والواقع أن هذه (الأيام زمان) لم تعد موجودة ، كما أنها لن توجد فى المستقبل ، نظراً للتطورات التى لحقت بالإنسان فى كل من المدينة والقرية على السواء، ليس فقط عندنا ، بل فى كل أنحاء العالم . والذى يريد أن يتأكد من ذلك عليه أن يقوم بحسبة بسيطة بين عدد المتعلمين فى أى قرية مصرية منذ عشرين أو ثلاثين سنة وبينهم الآن ، وحسبة أخرى بين عدد المنازل التى بُنيت بالطوب الحجرى والمنازل ذات الطوب اللبن (النىّ) ، وحسبة ثالثة بين عدد منازل القرية التى كانت تشرب من (الطرمبة) والتى تشرب الآن مباشرة من الحنفيات ، ثم أخيراً عدد أجهزة الراديو والتليفزيون والفيديو التى انتشرت فى القرية ، وحلت محل (السامر) الذى لم يكن يظهر بها إلا فى أيام معدودة ، ومناسبات قليلة جداً طوال العام .
صحيح أن كل بيت فى القرية كان لديه الفرن الذى يخبز فيه ، والبقرة التى تدر اللبن ، فتخرج منه الزبدة والسمن والجبن ، ومجموعة الطيور التى تربى فى الحوش كالأوز والبط والدجاج والحمام، التى يستخلص منها اللحم الأبيض ، فإذا أضيف إلى ذلك بعض الخضر والفواكه التى تأتى من الحقول لم يعد هناك ما يدفع ابن القرية إلى شراء شئ من المدينة ، اللهم إلا ملابسه ، وأدوات عمله .
لكن سنة التطوير التى شملت كل المجالات ، لم تستثن القرية ، التى أدخلت البوتاجاز والثلاجة والتليفزيون وكل وسائل التقدم الحضارى الحديثة ، وهذه (الأجهزة) غيرت من بعض العادات التقاليد التى عرفتها القرية المصرية منذ آلاف السنين ، وأدخلتها بقوة إلى قلب العصر الحديث، بل إن أساليب الزراعة القديمة قد بدأت تحل محلها أساليب جديدة، فمثلاً غمر الأرض بالماء ثبت أنه أقل فائدة من ريها بالرش أو التنقيط ، وزراعة محاصيل معينة ظهر أنها تدر ربحاً أكثر من محاصيل أخرى لم يكن يعرف غيرها الفلاح .
لقد تغير كل ذلك ، والوحيدة التى يبدو أنها لم تتغير هى نظرة أهل المدينة للقرية المصرية . فهم يريدونها أن تظل على حالها كما كانت بالأمس القريب ، بل والأمس البعيد ! لذلك فإننى أقول لهؤلاء : أن القرية المصرية كانت منتجة فى الماضى ، وما زالت منتجة فى شكلها الجديد . والدليل على ذلك أنك إذا تجولت فى الريف المصرى كله لن تجد شبراً من الأرض القابلة للزراعة غير مزروع ! والدليل على ذلك أيضاً أن الإنتاج الزراعى يتزايد باستمرار ، وقد شهدنا ما حدث لمحصول الأرز هذا العام. فقد زاد الإنتاج عما تتطلبه حاجة البلاد . وتمثلت المشكلة فى كيفية التصدير ، وهذا من صميم اختصاص أهل المدينة ؛ فماذا فعلوا ؟
تحية للقرية المصرية التى تنتج فى صمت ، وتحية للفلاح المصرى الذى ما زالت تغطى ريشته العبقرية أرض مصر السوداء . . باللون الأخضر !
|