عازف منتصف الليل
كنتُ لا أعرف من أين يجئْ
كل ليلٍ .. مرهق الخطو .. شريدًا
ثم يُلقي جسمه المنهوك تحت النافذهْ
ويُغنِّي ..
* *
صوته الخارجُ من أعماق صدرهْ
خشن النبرة .. مشروخًا، ونافر
طالما أرّقني ..
* *
أبدًا .. لم أتبيَّنْ
كلمةً واحدةً من كلماتهْ
كان كالساقية العطشى على حقل جديبْ
تتعالى حشرجاتُهْ
ثم تعوي .. وتئنّ !
* *
كنتُ أدعوهُ: عدوّي
عندما ينتصف الليلُ .. ويطويني صداعٌ،
ثابتُ الخطو، مُلحّ !
وأرى أن شفائي .. لحظةٌ من هدأة الليل فَقَطّ !!
كان هذا الضفدعُ الزاعق يؤذيني كثيرًا
صيَّر الكونَ حواليَّ صراخًا، وعواءً، وزفيرا ..
* *
ذات ليلٍ من ليالي الأَرَقِ
جال في الخاطر أن أقْتُلَهْ ..
وتخيرتُ سلاحي ..
«فازةُ الوردِ على طَرْف الجدَرْ ..»
ويعود النومُ للجفن المعذَّبْ !
سرتُ في صمتٍ .. فتحتُ النافذهْ
وتفحصتُ الطريقْ
كانت الليلةُ ريحًا، ونجومًا خافتهْ
وعدوّي قابع في معطف بالٍ يغنِّي ..
ويصدّ البرد عنه بزجاجهْ !
* *
قبل أن أبتدئ الضربة .. ألقيتُ عليه نظرتي
راعش الأضلع .. مدفوعًا بأحقاد الليالي الماضيهْ
كنتُ أهذي، وأزمزم :
«هذه آخرُ مرّهْ
تتلاقى أيها المسخ البذيءْ ..
أنت في أرضك تحتي
وأنا الآن .. على قمة سخطي !»
* *
قبل أن أبتدئ الضربة، لاحظتُ بعينيه دموعًا
لم أكن أعرفُ، هل يبكي، أم الخمرةُ في جفنيه تلمعْ !
وتأملتُ محيَّاهْ .. للحظهْ
كانت الجبهةْ ملأى بالأخاديد العميقهْ
وعلى لحيته البيضاء حبَّات النبيذ القانيهْ
رَفَع الوجهَ تُجَاهي، ورنا . .
لم يُفاجَأْ !!
إنما لوّح كي نشدو معًا
كان في عينيه آلافُ النجوم اللامعهْ
وعلى الجبهة شمسٌ وقمرْ !
وبدأ الصوتُ الذي يشدو بِه ..
قطعةً من هِزّة الأرض، وإيقاع المطرْ !
* *
وتراجعتُ إلى الخلف قليلًا
كان قلبي يتلاشى
نبضُهُ الهادرُ في معزوفتهْ
ـــــــــــــــــــــــــ
|